ونُسِبَ إليه إدخالُ الهديَّةِ في معنى التحيَّةِ وحُكْمِها، ولعلَّ العِلَّةَ في ذلك: ما في الهديَّةِ مِن معنى المحبَّة، وبها يتحقَّقُ الأمانُ والإيناسُ، وهذا المعنى موجودٌ في التحيَّةِ القوليَّةِ.
وقد ذهَبَ ابنُ عُيَيْنَةَ: إلى أوسَعَ ممَّا ذهَبَ إليه مالكٌ؛ فجعَلَ التحيَّةَ كلَّ معروفٍ يُبذَلُ ورَدَّهُ بالشكرِ عليه قولًا وعملًا.
والظاهرُ: أنَّ الهديَّةَ وتشميتَ العاطسِ يَدْخُلانِ في العلةِ، وهي الأمانُ والإيناسُ، لا في حُكْمِ التحيَّةِ وفضلِها؛ فإنَّ التحيَّةَ إذا أُطلِقتْ يُرادُ بها السلامُ وما في حُكْمِهِ مِن الألفاظِ والإشارةِ؛ وذلك لقولِهِ تعالى في سورةِ النورِ: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [٦١].
التحيَّةُ بغيرِ السلامِ:
ومَن بذَلَ التحيَّةَ بغيرِ السلام، جاز وقد ترَكَ الأفضلَ؛ فأفضَلُ التحيَّةِ السلامُ، وتصحُّ تحيَّةُ الأعجميِّ المُسلِمِ بلُغَتِهِ التي يَفهَمُها إذا لم يَعرِفْ معنى السلامِ.
وهذه الآيةُ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ ظاهرةٌ في حكايةِ البَدَاءَةِ بالتحيَّةِ وآمِرَةٌ بالردِّ عليها، وهي مُشعِرةٌ بأنَّ الردَّ آكَدُ مِن البَدَاءَة، ولا خلافَ أنَّ ردَّ السلامِ آكَدُ مِن بَذْلِه.
حُكْم ردِّ التَّحيَّةِ:
وردُّ السلامِ واجبٌ بلا خلافٍ، إلَّا مَن هُجِرَ بموجِبٍ شرعيٍّ؛ فيجوزُ عدمُ ردِّ السلامِ عليه إذا سَلَّمَ، ووجوبُ ردِّ السلامِ ظاهرٌ في الآيةِ مِن قولِه تعالى: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾.
حكمُ بذلِ التحيَّةِ:
واختُلِفَ في بَذْلِ التحيَّةِ - ومنها السلامُ - ابتداءً، على قولَيْنِ: