للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشرِكِينَ ولو كانوا كثيرًا؛ فقولُه تعالى: ﴿إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا﴾؛ يعني: تقارَبْتُم وتدانَيْتُم، وإذا كَثُرَ الجيشُ يَراهُم البعيدُ كالذين يزحَفونَ على الأرضِ؛ إذْ لا تُرى أسافلُ أبدانِهم، لتلاصقِهم، وإنَّما تُرى رؤوسُهم وصدورُهم كالزاحِفِينَ على الأرض، وتوعَّدَ اللهُ مَن فَرَّ منهم يومَ بَدْرٍ بالغضبِ وعذابِ جهنمَ.

الفِرارُ يومَ الزَّخفِ:

والفرارُ مِن الزحفِ مِن الكبائرِ؛ كما في ظاهرِ الآية، وقد عَدَّهُ النبيُّ مِن السَّبْعِ المُوبِقاتِ؛ كما في "الصحيحَينِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ ؛ قال: قال رسولُ اللهِ : (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بالله، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلَّا بِالحَقّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَاَكْلُ مَالِ اليَتِيم، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْف، وَقَذْفُ المحْصَنَاتِ المُؤمِنَاتِ الغَافِلَاتِ) (١).

ويدُلُّ على عِظَمِهِ ما جاءَ في السُّنَّة، مِن قولِهِ : (مَنْ قَالَ: أَسْتَغفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيِّ الْقَيُّومَ وَأتُوبُ إِلَيْه، غُفِرَ لَه وَإِن كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ) (٢)، وما جُعِلَ الفِرارُ مِن الزحفِ مِثالًا إلَّا لعِظَمِهِ عندَ اللهِ.

التحيُّزُ والتحرُّفُ عندَ لِقاءِ العدوِّ:

وأَذِنَ اللهُ للمؤمنينَ باستدبارِ المشرِكِينَ بلا فِرَارٍ على حالَيْنِ:

الأُولى: أنْ يكونوا مُتَحرِّفينَ، كما في قولِهِ: ﴿إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ﴾، والمتحرِّفُ مِن الانحرافِ الدي يُريدُ أنْ يَدُورَ على عَدُوِّهِ مِن جهةٍ وناحيةٍ


(١) أخرجه البخاري (٢٧٦٦)، ومسلم (٨٩).
(٢) أخرجه أبو داود (١٥١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>