للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُسمَّى الكلُّ ببعضِ أجزائِهِ إذا كان الجزءُ عظيمًا وركنًا جليلًا فيه؛ ولذا تُسمَّى الصلاةُ بالسجودِ؛ كما قال تعالى: ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ [ق: ٤٠]؛ والمرادُ: أدبارَ الصلاةِ، وسُمِّيَتْ أماكنُ العبادةِ: مَسَاجِدَ، ولم تُسَمَّ: مَرَاكِعَ؛ لأنَّ السجودَ أعظمُ.

ولكنْ تُسمَّى الصلاةُ ركوعًا كذلك؛ لأنَّ الركوعَ رُكنٌ؛ كما قال سبحانَهُ: ﴿وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران: ٤٣].

حكمُ السجودِ بلا سببٍ:

والسجودُ في آيةِ البابِ سجودُ الشكرِ، والسجودُ بلا سببٍ لا يُشرَعُ، وكَرِهَهُ بل حَرَّمَهُ بعضُ الفقهاءِ؛ كالإمامِ النوويِّ (١)؛ لأنَّه بدعةٌ وإحداثٌ.

وورَدَ النصُّ في أنواعِ السجودِ؛ كسجودِ الشكرِ والتلاوةِ وظهورِ الآيةِ.

وبعضُ العلماءِ يَرَى للدعاءِ سجودًا منفردًا لِمَن أراد توبةً وغفرانًا؛ قال ابن تيميَّةَ: "ولو أراد الدعاءَ، فعفَّرَ وجهَهُ للهِ بالتراب وسجَدَ له لِيَدْعُوَهُ فيه، فهذا سجودٌ لأجلِ الدعاءِ، ولا شيءَ يمنعُهُ" (٢).

وبعضُهم يستدِلُّ على مشروعيَّةِ السجودِ المنفصلِ بلا سببٍ؛ بما رواهُ مسلمٌ في "الصحيح"، عن ربيعةَ بنِ كعبٍ الأسلميِّ؛ قال: كنتُ أَبِيتُ مع رسولِ اللهِ ، فأتيتُهُ بوَضُوئِهِ وحاجتِهِ، فقال لي: (سَلْ)، فقُلتُ: أَسأَلكَ مُرافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ، قَال: (أوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ ! )، قُلتُ هُوَ ذَاكَ، قَالَ: (فأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) (٣).

وهو استدلالٌ فيه نظرٌ؛ لأنَّ المرادَ بالسجودِ هنا الصلاةُ؛ لأنَّ الصلاةَ تُسمَّى سجودًا؛ كما تقدَّمَ الكلامُ عليه، ولو جُعِلَ السجودُ هنا هو


(١) ينظر: "المجموع" (٤/ ٦٩)، و"روضة الطالبين" (١/ ٣٢٦).
(٢) ينظر: "الفتاوى الكبرى" (٥/ ٣٤٠).
(٣) أخرجه مسلم (٤٨٩) (١/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>