للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئًا؛ فهذا شرطٌ باطلٌ؛ لأنَّ اللهَ جعَلَ قِسْمةَ المَصارِفِ إليه، لا إلى غيرِه، ثم إنَّه بذلك تتعطَّلُ مَصالحُ المُسلِمينَ، ويُروى عندَ أبي داودَ، عن زيادِ بنِ الحارثِ الصُّدَائيِّ ؛ قال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ فَبَايَعْتُهُ، قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَة، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ : (إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَات، حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاء، أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ) (١).

ولا يجوزُ للعاملِ قَبُولُ الهديَّةِ والهِبَةِ مِن جِهتَيْها؛ مِن جِهَةِ الغنيّ، ولا مِن جهةِ الفَقيرِ؛ فتِلك رِشْوةٌ محرَّمةٌ.

وقولُهُ تعالى: ﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾، المرادُ بهم: الكُفَّارُ، وأهلُ الشُّرورِ مِن المُسلِمينَ الذين تُستَمالُ قلوبُهم بالمالِ؛ إمَّا لكَسْبِ خيرِهم، أو لدَفْعِ شرِّهم.

إعطاءُ المؤلَّفةِ قلوبُهُمْ بعدَ النَّبِيِّ -:

وحُكْمُ تأليفِ القلوبِ باقٍ لم يُنسَخْ؛ ما قامَ سببُه، ودَعَت حاجتُه، وقد اختُلِفَ في إعطاءِ المؤلَّفةِ قلوبُهُمْ بعدَ النبيِّ :

فمِن السَّلَفِ: مَن قال بأنَّهم لا يُعطَوْنَ بعدَهُ؛ لأنَّ الإسلامَ اشتَدَّ وقَوِيَ ولا يَخافُ مِن عدوٍّ؛ لعِزَّتِهِ وعِزَّةِ أهلِه، واستُدِلَّ لذلك بما جَرَى عليه عُمَرُ؛ وبه قال الشَّعْبيُّ (٢)، والحسنُ (٣)، وجماعةٌ مِن السَّلَفِ.

والأظهَرُ: بقاءُ سَهْمِ المؤلَّفةِ قلوبُهم ما وُجِدَت العِلَّةُ ودعَتِ الحاجةُ؛ وبهذا قال أحمدُ، وإنَّما منَعَها عمرُ ومَن تَبِعَهُ؛ لانتفاءِ العِلَّةِ بقُوَّةِ الإسلام، وضَعْفِ الكُفْرِ وقِلَّةِ حِيلَةِ أهلِه، فليسَ أمامَهم إلَّا الإسلامُ،


(١) أخرجه أبو داود (١٦٣٠).
(٢) تفسير الطبري" (١١/ ٥٢٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٢٢).
(٣) "تفسير الطبري" (١١/ ٥٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>