والثاني: لا تَنفعُه الشهادتانِ في حكْمِه في الدنيا؛ لأنَّه لم يُقاتَل لعدمِ قولِهِ لها، فنُطقُه لها لا يُؤثر في حُكمِه، سواءٌ كان مُفسِدًا مُسلِمًا أو مُفسِدًا كافرًا؛ لأنه يُقاتَلُ لأجلِ فَسَاد في الأرضِ, لا لمجرَّدِ كفرِهِ بلا فسادٍ وإفسادٍ وقطعِ سبيلٍ، فلو كان كافرًا ونطَقَ الشهادتَينِ صادقًا نفعَتْه في الآخِرةِ لا في الدنيا؛ لأنه يُقاتَلُ لأجلِ فسادِهِ وقطعِهِ السبيل، ولو كان مسلِمًا مُحارِبًا قاطعًا للسبيلِ أو خارجًا على جماعةِ المُسلِمِينَ أو باغيًا، فهو لم يُقاتَل لامتناعِهِ عنِ الشهادتَينِ؛ وإنما يُقاتَل لكَفِّ صَولَتِه وعُدْوانِه، ولو نطَقَ الشهادتين، فهو لم يُقاتَل أصلًا عليها؛ وإنما على فساده في الأرضِ؛ كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٣، ٣٤].
وكلُّ واحدٍ يُقاتَلُ لأجلِ غايةٍ، فمتى جاء بالغايةِ عصَمَته؛ فالكافرُ لكفرِه: إن أسلَمَ عصَمَة إسلامُه، والباغي والمفسِدُ يُقاتَلُ لبَغيِهِ وعُدوانِهِ وفسادِه؛ مسلمًا كان أو كافرًا، ولو نطَقَ الشهادتَيْن، لم تَعصِمه؛ لأنها ليستِ الغايةَ التي يقاتَلُ لأجلِها.
نطقُ المحارِبِ للشهادتَيْنِ:
ومَن قُوتِلَ مِن الكافرينَ لأجلِ كفرِه، ثمَّ نطَقَ الشهادتَين، فلا يَخلو من حالتَينِ: