للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصحيحُ: أنَّ الهجرةَ واجبةٌ، لكنَّها ليسَتْ شرطًا في الإسلامِ؛ لقولِهِ تعالى في الأنفالِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: ٧٢]؛ فسمَّاهم مؤمِنينَ، ورفَعَ عنِ المؤمنينَ وَلَايَتَهم، وليس المرادُ بهم في آيه الأنفالِ هذه المُستضعَفِينَ العاجِزِينَ عنِ الهجرةِ؛ لأنَّ نُصرَتَهم واجبةٌ على المؤمنينَ، ومُوالاتَهم كذلك، ولو كان على قومٍ بينَنا وبينَهم ميثاقٌ، فقَيدُ النُّصرةِ على قومٍ ليس بينَنا وبينَهم ميثاقٌ: دليلٌ على أنهم ليسوا بمَعذُورِينَ ببقائِهم وعدمِ تحوُّلِهم مِن دارِهم إلى دارِ الإسلامِ.

الهجرة علامةٌ على الإسلام:

وقد كانتِ الهجرةُ مِن مكَّةَ إلى المدينةِ عَلَمًا على الإسلامِ ونفيِ الكفرِ والنفاق، وانتفاؤها كان علَمًا على الكفرِ والنفاقِ ونفيِ الإيمان، لا أن تحقُّقها إيمان بعَينه، ولا انتِفاءَها كفرٌ بعَينِه؛ وقريبٌ مِن ذلك: الجهادُ في المدينةِ بعدَ وجوبه، فترْكُهُ علَمٌ على النّفاق، والقيامُ به علَمٌ على الإيمان، والتاركُ للهجرةِ إلى المدينةِ بلا عذرٍ منافق ولو قال بالإسلام، وتاركُ الجهادِ المتعيِّنِ بلا عذرٍ منافقٌ ولو أظهَرَ الإسلامَ.

اختلافُ أحوالِ المنافِقِين بحسَب بلدانهم:

ولكن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُفرِّقُ بينَ المنافِقينَ بمكةَ والمنافقينَ بالمدينة، فيُجرِي أحكامَ الحربِ الظاهرةَ على المنافِقِ بمَكَّةَ وَسطَ المشرِكِينَ، وأحكامَ الإسلام الظاهرةَ على المنافقِ بالمدينةِ وَسطَ المسلِميِنَ، فيُجري على من كان بمَكَّةَ: أحكام الحربِ؛ مِن القتالِ والأسرِ والرِّقّ، وعلى مَن كان بالمدينةِ: عِصمةَ النفسِ والمالِ والولَدِ.

وقد قاتَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في بدرٍ المشرِكِينَ، وفي صَفِّهم مَن أسلَمَ ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>