للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا المصلحةِ الخاصةِ به، وكلُّ ما للإنسانِ أنْ يفعَلَهُ أو يترُكَهُ، فهو حقٌّ له وليس واجبًا عليه.

وظاهرُ مذهبِ مالكٍ وأبي حنيفةَ وأحمدَ: أنَّ التعزيرَ واجبٌ على الإمامِ، وليس حقًّا له، ويرَوْنَ أنَّ له العفوَ ما قامَتِ المصلحةُ العامةُ (١).

وهذا تفرَّعُ عن كونِ وليِّ الأمرِ يُدرِكُ مصالحَ العامَّةِ، وأنَّه مِن أهلِ المعرفةِ والعدالةِ.

تعطيلُ الحاكمِ للحدودِ:

وفي حالِ تعطيلِ إقامةِ الحدِّ مِن فِبَلِ الحاكمِ: فهل يسوغُ قيامُ الأفرادِ باستيفاءِ الحدودِ مِن دونِه، في حالِ ظهورِ البيِّنةِ في الحدِّ والتعزيرِ واكتمالِ شروطِها، وكان تعطيلُ الحاكِمِ لها تعطيلًا لأصلِ الحكمِ بما أنزَلَ الله، وليس لأنَّ البيِّناتِ لم تتوافَرْ؟ :

وجوابُ هذا يُعرَفُ بموازنةِ المصلحةِ المتحقِّقةِ بالمَفْسَدةِ المترتِّبةِ، وهنا مفسدتانِ:

المفسدةُ الأُولى: تعطيلُ الحدودِ وإقامةِ حكمِ اللهِ:

وفي إقامةِ حكمِ اللهِ لدَيْنا أمرانِ: الحُكْمُ، والتحكيمُ:

الأولُ: الحكمُ به، وهذا منوطٌ بالحاكمِ الذي يُقِيمُها، وقد وجَّهَ اللهُ الخطابَ به إلى نبيِّه؛ لأنَّه خليفتُه في هذا الأمرِ؛ قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩]، وقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ [النساء. ١٠٥]، وقال: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: ٤٨]، والحكمُ بشِرْعةِ اللهِ فريضةُ كلِّ الأنبياءِ؛ قال تعالى عن موسى ومَن تَبِعَهُ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا


(١) ينظر: "النتف" للسغدي (٢/ ٦٤٦)، و"المبسوط" للسَّرَخسي (٩/ ٦٥)، و"المدوَّنة" (٤/ ٤٨٨)، و"الذخيرة" للقرافي (١٢/ ١٢٠)، و"المغني" لابن قدامة (٩/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>