للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوضوء لعبادةٍ إلا لها على الأرجحِ؛ فلا يجب الوضوء لدخولِ المسجدِ ولا للاعتكافِ ولا للذكرِ ولا لقراءةِ القرآنِ ولا للطوافِ؛ وإنما يُستحَبُّ لذلك.

وتقييد الوضوءِ بالقيامِ إلى الصلاةِ في قوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾؛ حتى لا يُتوهمَ أن الوضوءَ واجب لذَاته، فيقَع الحرَجُ في الناس، لكون الواجبِ غيرَ مقيد بزمانٍ ولا مكان ولا بعمل، فيرَونَ وجوب الوضوءِ على الدوامِ؛ وهذا يُخالِفُ يُسرَ الشريعةِ ورِفقَها.

الوضوء لكل صلاةٍ:

وليس المرادُ في الآيةِ وجوبَ إحداثِ وضوءِ عندَ كل صلاةٍ؛ وإنما المرادُ تقييدُ الوجوبِ بعمل، ورفعُ الحَرَجِ عن باقي الفعلِ والزمانِ والمكان، إلا ما قيدَه الوحيُ بدليلٍ خاصِّ، ومن كان على طهارة سابقةٍ فيُستحب له إحداث الوضوءِ ولا يجب؛ ففي "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ أنس؛ قال: "كَانَ النبِيُّ يَتَوَضَّأ عِنْدَ كُل صَلَاةٍ، قُلت: كَيْفَ كنتم تَصنَعونَ؟ قَالَ: يُجزِئ أحَدَنَا الوُضُوء مَا لم يحدِثْ" (١).

ولم يقُل أحد مِن الصحابةِ والتابعِينَ بوجوبِ الوضوءِ عندَ كل صلاةٍ لغيرِ المُحدِث، وما جاء عن ابنِ المُسيب؛ أنه قال: "الوضوءُ مِنْ غَيْرِ حَدَث اعتداء" (٢)، فترده الأحاديث الصحيحةُ، وابن المسيبِ أفقهُ مِن أن يَرِدَ عنه مِثل ذلك؛ لجلاءِ المسألةِ واشتهارِ عملِ النبيِّ وعملِ الخلفاءِ مِن بعدِه، وابن المسيب مِن أعلَمِ الناسِ بذلك.

وقد يُحمَل مرادُهُ على كراهةِ الوضوءِ لكلِّ صلاةٍ مِن غيرِ تفريق بين


(١) أخرجه البخاري (٢١٤) (١/ ٥٣).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢٩٥) (١/ ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>