وأمَّا الطائفةُ التي حَفِظَتْ عَهْدَها، فإن كان عَهْدُها يَنتهي بانتهاءِ الأشهُرِ الحُرُمِ أو دُونَه، فمُدَّتُها تمامُ الأشهُرِ الحُرُم، يُزادُ المدَّةُ القاصرةُ؛ كما قال ابن عبَّاسٍ، وتَبقى المدَّةُ المنسلِخةُ بانِسلاخِ الأشهُرِ الحُرُمِ.
قيل: إنَّ عهدَهُمْ يُمْضى إلى مُدَّتِهم مطلَقًا ولو كان فوقَ الأربعةِ الأشهُرِ؛ وذلك لعمومِ قوله تعالى: ﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾.
وقيل: يُمضى لهم ما لم يَزِدْ على الأربعة الأشهُر، فإنْ زادَ، قُصِرَ ليكونَ أربعةَ أشهُرِ؛ لظاهرِ قولِ اللَّهِ تعالى: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾، وصحَّ هذا عن ابنِ عبَّاسٍ.
وفي قولِه تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ دليلٌ على أنَّ عهدَ الإمامِ عهدٌ لِرَعِيَّتِه، ففد كان المُعاهِدُ رسولَ اللهِ ﷺ، فجعَلَهُ اللهً عهدًا للمُسلِمينَ كافَّةً.
العهدُ المُطلَقُ بينَ المُسلِمِينَ والمُشرِكِينَ:
ومَن كان له عهدٌ وأمانٌ مُطلَقٌ لم يُقيَّدْ بمُدَّة، فإنَّه يُحَدُّ بأربعةِ أشهُرٍ، وفي هذا دليلٌ على جوازِ مُعاهَدةِ فِئَةِ معيَّنةٍ مِن الكفَّارِ - لا جَمِيعِهم - بعهدٍ مُطلَقِ غير مقيَّد، عندَ قيامِ الحاجةِ والضرورةِ إلى ذلك، وعندَ قوَّةِ المُسلِمينَ وتمكُّنِهم؛ فإنَّهم يجبُ عليهم جعلُ العهدِ المطلَقِ مقيَّدًا إلى مدَّةٍ معلومةٍ، ولا يجوزُ لهم نقضُ العهدِ ومبادَرَةُ الكافرينَ بالقتالِ؛ فإنَّ ذلك غَدْرٌ لا يَحِلُّ، وإذا أرادُوا نَقْضَ العهدِ المطلَق، فيجبُ عليهم تقييدُهُ بزمنٍ يتمكَّنُ فيه الكافرونَ مِن معرِفتِه، وتدبُّرِ أمرِهم للدخولِ في الإسلامِ أو رفضِه.