للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٥ - ٣٧].

لمَّا جاء كتابُ سليمانَ إلى مَلِكةِ سبإٍ وقرَأَتْه، أرسَلَت بكتابٍ إليه تَسْتَمِيلُهُ لكفِّ ما يُرِيدُه، مِن لَحَاقِها به، وخضوعِها للَّه، ونزولِها تحتَ حُكْمِه، وأرادتْ أن تَختبِرَ صِدْقَ دعْواه: هل هو صاحبُ دُنْيا؛ فتُسكِّنَهُ الهديَّةُ -لأنَّ صاحبُ الدُّنيا إنْ جاءه ما يُريدُ، سكَنَ طمعُه؛ لتحقُّقِ مقصودِهِ- أو صاحبُ دِينٍ ومقصودُهُ عبادةُ اللَّهِ وحدَه؟ كما رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قال: بعَثَتْ إليه بوصائِفَ ووُصَفَاءَ، وألبسَتهُمْ لِبَاسًا واحدًا؛ حتى لا يُعرَفَ ذكَرٌ مِن أُنثى، فقالتْ: إن زَيَّلَ بينَهم حتى يَعرِفَ الذَّكَرَ مِن الأُنثى، ثمَّ ردَّ الهديَّةَ، فإنَّه نبيٌّ، وينغي لنا أنْ نترُكَ مُلْكَنا، ونتَّبعَ دِينَه، ونَلحَقَ به (١).

وقال ابنُ زيدٍ: إنَّها قالتْ: إنَّ هذا الرجلَ إنْ كان إنَّما هِمَّتُهُ الدُّنيا، فسنُرْضِيه، وإنْ كان إنَّما يُرِيدُ الدِّينَ، فلن يَقبَلَ غيرَهُ (٢).

حُكْمُ قَبُولِ الهديَّةِ التي يُرادُ منها صَرْفٌ عن الحقِّ:

ولمَّا جاءتِ الهديَّة سليمانَ، رَدَّها ولم يَقْبَلْها؛ لأنَّ اللَّهَ لم يبعَثْهُ جابيًا للمالِ باحثًا عنه؛ وإنَّما مريدًا للناسِ العِبادةَ واستسلامَهُمْ للَّهِ، لا له.

وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على عدمِ جوازِ قَبُولِ العالِمِ والمُصلِحِ الهديَّةَ إنْ كان مُهدِيها يُريدُ بها استمالةَ المُصلِحِ إلى ضلالِهِ أو إسكاتَهُ عنه؛ فإنَّ


(١) "تفسير الطبري" (١٨/ ٥٣).
(٢) "تفسير الطبري" (١٨/ ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>