للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبداءةُ بالبسملةِ مشروعةٌ لذلك، ولأنَّ اللَّهَ ابتدَأ بها أعظَمَ كلامٍ، وهو كلامُهُ، والبسملةُ مِن كلامِ اللَّهِ -كما في سورةِ النملِ هنا- فالبداءةُ بها بَرَكةٌ وتيمُّنٌ.

وأمَّا الفرق بينَ البداءةِ بالبَسْمَلةِ وبينَ البداءةِ بالحَمْدَلةِ، فذلك أنَّ البسملةَ تكونُ في المراسَلاتِ والمَقَالاتِ، ومِثلُها أوراقُ العقودِ الماليَّةِ، وعقودُ الصلحِ؛ فلمَّا صالَحَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كفارَ قريشٍ في الحُدَيْبِيَةِ، كَتَبَ البسملةَ ولم يكتُبِ الحَمْدَلةَ.

وأمَّا الحَمْدَلةُ، فتكونُ في الخُطَبِ وما في حُكمِها، ولا تبتدئُ الخُطَبُ بالبَسْملةِ؛ وإنَّما بالحَمَّدَلةِ، ومِثلُ الخُطَبِ: الكتُبُ المؤلَّفةُ لبسطِ عِلْمٍ ونشرِ فقهٍ، وما شابَهَ المُراسَلاتِ مِن الكُتبِ لصغرِه، فلا حرَجَ مِن الاكتفاءِ بالبسملةِ فقطْ؛ لمناسَبةِ مَقَامِهِ بمَقَامِ المُراسَلاتِ والعقودِ، واللَّهُ أعلَمُ.

والشِّعْرُ كالنَّثْرِ؛ فما كان مِن مَعَانِيهِ الحَسَنةِ الحميدةِ، فيُبْدَأُ فيه بالبسملةِ أو الحمدلةِ بحسَبِ مَقامِه وموضوعِه، ولا يثبُتُ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا عن الصحابةِ التفريقُ بينَ كتابةِ الشِّعْرِ والنثرِ في البداءةِ بالبسملةِ، وما جاء عن الزُّهْريِّ والشَّعْبيِّ مِن كراهةِ البداءةِ بالبسملةِ في الشِّعْرِ، فلا يصحُّ عنهما، وعن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ جاء الجوازُ، وفي سندِهِ كلامٌ، وكلُّها رواها الخطيبُ في "الجامعِ لأخلاقِ الرَّاوي" (١)، والأصلُ اشتراكُ الشِّعْرِ والنَّثْر في الحُكْمِ، ولا يحتاجُ الجوازُ إلى دليلٍ خاصٍّ.

* * *


(١) ينظر: "الجامع لأخلاق الراوي" (١/ ٢٦٣ - ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>