للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَن تصرَّفَ في مالِ المُسلِمينَ بغيرِ وَجْهِه، ففيه صِفَةٌ مِن المُلُوك، ومَن صرَفَهُ بعدلٍ بينَ الناسِ بالعدلِ وعلى حقِّ الله، فهو خليفةٌ على مِنْهاج النبوَّةِ؛ فقد سأَل عمرُ سَلْمانَ الفارسيَّ: "مَلِكٌ أنَا أمْ خَلِيفَةٌ؟ قال: إِن أَنْتَ حَبَيْتَ مِنْ أَرْضِ المُسْلِمِينَ دِرْهَمًا أوْ أَقَلَّ أَو أَكثَرَ، ثُمَّ وَضَعْتَهُ فِي غَيْرِ حَقِّه، فَأَنْت مَلِكٌ" (١).

إعطاءُ الحاكِمِ مالًا لأحدٍ دُونَ غيرِهِ:

وللحاكمِ أن يُعطيَ مِن المالِ لأحدٍ ما لا يُعطِي غيرَهُ؛ إذا قامتْ مصلحةٌ عامَّةٌ، لا مصلحةٌ خاصَّةٌ يتضرَّرُ بها غيرُهُ، فردًا كان أو جماعةً، وقد أعطى النبيُّ أقوامًا، وترَكَ آخَرِينَ، لمصلَحَةِ تأليفِهم، لا لمصلحةِ أشخاصِهم ودُنْياهم يَنتفِعُونَ يها وَيتضرَّرُ بذلك غيرُهم، والحاكمُ نائبٌ عن المُسلِمينَ في التصرُّفِ في المالِ بما يُصلِحُ دِينهُمْ ودُنياهم، وفي "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ سعدٍ ؛ أنَّ رَسُولَ الله أعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ رَجُلَا هُوَ أعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مَا لَكَ عَن فلَانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لَأرَاهُ مُؤُمِنًا، فَقَالَ: (أَوْ مُسْلِمًا)، فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدتُّ لِمَقَالَي، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَن فُلَانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لَأرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ: (أَو مُسْلِمًا)، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أعْلَمُ مِنهُ فَعُدتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللهِ ، ثُمَّ قَالَ: (يَا سَعْدُ، إِنِّي لَأُعْطي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ؛ خشْيَةَ أن يَكُبَّهُ الله في النَّارِ) (٢).

وقد قال النبيُّ : (مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ؛ إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ؛ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ) (٣)، وفي لفظٍ: (إنْ أَنَا إلَّا خَازِنٌ) (٤).


(١) "الطبقات الكبرى" (٣/ ٣٠٦).
(٢) أخرجه البخاري (٢٧)، ومسلم (١٥٠).
(٣) أخرجه البخاري (٣١١٧).
(٤) أخرحه أحمد (٢/ ٣١٤)، وأبو داود (٢٩٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>