فهو آثِمٌ، وعقدُهُ صحيحٌ؛ لظاهرِ الآيةِ، وهو قولُ جمهورِ الفقهاءِ، واستحَبَّ مالكٌ فِرَاقَها؛ كما رواهُ عنه ابنُ وهبٍ.
وعن مالكٍ قولٌ آخَرُ: بوجوبِ المفارَقةِ، وهي روايةٌ عن أشهَبَ؛ نقَلَ الروايتَيْنِ ابنُ رُشْدٍ، والنَّهْيُ يقتضي الفسادَ في مذهبِ مالكٍ.
حكمُ العقدِ على البائنةِ:
وأمَّا إذا عقَدَ عليها في العِدَّةِ، فلا يخلُو مِن حالَيْنِ:
الأُولى: إنْ دخَلَ بها في العِدَّةِ، فألزَمَ أبو حنيفةَ والثوريُّ والشافعيُّ والحنابلةُ التفريقَ بينَهما، والعقدُ آكَدُ بالفسادِ على قولِ مالكٍ.
وقد اختَلَفَ أصحابُ هذا القولِ في جوازِ زواجِه بها بعدَ خروجِها مِن العِدَّةِ، وهل تحرُمُ عليه حُرْمةً أبديَّةً أو لا؟
ذهَبَ أبو حنيفةَ والثوريُّ والشافعيُّ: إلى جوازِ زواجِهِ بها بعدُ، وأنَّه كسائرِ الخُطَّابِ؛ وهو قولُ عليٍّ وابنِ مسعودٍ، وبقولِهم أخَذَ أهلُ الكوفةِ.
وذهَبَ مالكٌ: إلى أنَّه لو دخَلَ بها في عِدَّتِها، تحرُمُ عليه حُرْمةً أبديَّةً، وبه قال جماعةٌ مِن فقهاءِ المدينةِ، وقال به اللَّيْثُ وأحمدُ.
وبه قضى عمرُ بنُ الخَطَّابِ، وقال في امرأةٍ نُكِحَتْ في عِدَّتِها: لا يَجتمِعانِ أبَدًا؛ رواهُ مالكٌ وعبدُ الرزَّاقِ؛ مِن حديثِ ابنِ المسيَّبِ وسُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ عن عُمرَ في قِصَّةٍ (١).
الحالةُ الثانيةُ: إذا دخَلَ بها بعدَ انقضاءِ العِدَّةِ، فهذه أيسَرُ مِن الأُولى عندَ مَن قال بجوازِ خِطْبَتِهِ لها بعدَ عِدَّتِها، ولمالكٍ فيها قولانِ: قولٌ بتحريمِها عليه تأبيدًا، وقولٌ يوافِقُ الجمهورَ.
(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (٢٧) (٢/ ٥٣٦)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (١٠٥٣٩) (٦/ ٢١٠).