للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التشريعُ من دونِ اللهِ:

وحُكْمُ اللهِ والعدلُ مُتلازِمان، ويُقطَعُ أنَّ العدلَ فيما أنزلَ اللهُ؛ ولذا حَكَمَ اللهُ بكفرِ مَن جعَلَ العدلَ ملازمًا لغيرِ حُكمِه، قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤]، أو شرَّعَ تشريعًا أو قانونًا يُخالِفُ حُكمَ اللهِ وتشريعَهُ، فأحَلَّ ما حرَّمَ الله، وحرمَ ما أحَلَّ اللهُ؛ فهذا شركٌ وكفرٌ في الأُلوهيَّةِ مُستلزِمٌ للشِّرْكِ والكفرِ في الربوبيَّةِ والأسماءِ والصِّفاتِ؛ فمَن جعَلَ مشرِّعًا غيرَ الله، صَرَفَ الحُكمَ لغيرِ اللهِ واتَّخَذَ معبودًا غيرَهُ؛ قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف: ٤٠]، وأمَّا استلزامُه للكفرِ بالربوبيَّةِ والإشراكِ بها، فمُقتضى كمالِ العدلِ: الخَلْقُ والعِلْمُ؛ فالعدلُ فرعٌ عن العِلْمِ بالمعدولِ به، فلا يَعدِلُ إلَّا مَن أتَمَّ العِلْمَ بما قَضَى فيه، ومُقتضى كمالِ العِلْمِ وتمامِهِ: الخَلقُ للمحكوماتِ مِن أعيانٍ ماديَّةٍ ومعلوماتٍ ذهنيةٍ؛ ولذا ربَطَ اللهُ العِلْمَ بالخَلْقِ؛ فقال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: ١٤]، فمَن جعَلَ العدلَ التامَّ لغيرِ الله، أو جعَلَ غيرَ اللهِ مساويًا لله، فضلًا عمَّن يجعَلُ حُكْمَ غيرِ اللهِ أعدَلَ عن حُكمِ اللهِ كلِّه أو في بعضهِ ولو في مسألةٍ واحدةٍ، فقد أشرَكَ وكفَرَ في ربوبيَّةِ اللهِ وألوهيَّتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِه؛ لأنَّ كمالَ العدلِ وأحقيَّتَهُ يَقتضي كمالَ العِلْمِ بالمعدولِ فيه، وكمالُ العِلْم يَقتضي الخَلْقَ، وأمَّا الشِّركُ في الأسماءِ والصِّفات، فإنَّ اللهَ واحدٌ في أَسمائِه وصفاتِه، ومِن أسمائِه: العليمُ والحَكَمُ والحكيمُ، والخالقُ والخبيرُ؛ وهذا إشراكٌ مع اللهِ فيها.

وقولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}؛ أيْ: نِعْمَ ما يَعِظُكُمُ اللهُ به، ويسمعُ ما تفعلونَ وتَحْكُمُون، ويُبصِرُ ما تَفعلون؛ وهذا تنبيهٌ لأمرِ العدلِ مع إخلاصٍ، وترهيبٌ مِن الفِرارِ بالظُّلْمِ مِن سمعِ المخلوقينَ وبَصَرِهم؛ فالله لا يُفَرُّ من إحاطتِهِ وسمعِهِ وبصرِهِ.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>