للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالكفَّارةُ المذكورةُ على الصيدِ تَغفِرُ ذنبَهُ الذي فعَلَ، فإنَّما هي لمحوِ سيِّئاتِه، وليستْ عملًا صالحًا مجرَّدًا يُكتَبُ له في صحيفةِ حسناتِه، إلَّا أنْ يشاءَ اللهُ.

تكرارُ المحرِمِ للصيد:

وقولُه تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}:

العَوْدُ للذنبِ مرَّةً ثانيةً أعظَمُ مِن المرَّةِ الأولى، كما أنَّ الرِّدَّةَ أغلَظُ في تَكرارِها مِن الكَفْرِ أولَ مَرَّةٍ؛ لأنَّ التَّكرارَ يَقترِنُ به الإصرارُ والاستهانةُ، بخلافِ فِعْلِ المعصيةِ مرةً.

ومِن المَعاني المرادةِ بالآيةِ: أنَّ مَن كرَّرَ السيِّئةَ عن عِلْمٍ مستسهِلًا الكفَّارةَ كحالِ الأغنياءِ الذين لا يَجِدُونَ ضِيقًا مِن الكفَّارات، فهؤلاء يُضاعَفُ عليهم العقوبةُ، فمع الكفَّارةِ مرة أُخرى وعيدٌ يَلحَقُهُمْ في الدُّنيا والآخِرةِ؛ للمُكابَرةِ والعِنادِ.

ومِن السلفِ مَن قال: إنَّ مَن كرَّرَ الصيدَ متعمِّدًا مرَّةً أُخرى، فلا يُحكَمُ عليه؛ لعِنَادِه، ويُترَكُ لانتقامِ اللهِ منه؛ رواهُ عِكرِمةُ وعليٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ (١)، وبه قال مجاهدٌ والشعبيُّ وشُرَيحٌ (٢).

وأكثرُ السلفِ: على أنَّ الكفَّارةَ تجبُ عليه كلَّ مرةٍ، فيُحكَمُ عليه في كلِّ صيدٍ؛ وبه يقولُ عطاءٌ وسعيدُ بن جُبَيْرٍ (٣).

* * *


(١) "تفسير الطبري" (٨/ ٧١٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٢٠٩).
(٢) "تفسير الطبري" (٨/ ٧١٧ - ٧١٨).
(٣) "تفسير الطبري" (٨/ ٧١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>