الثَّالثُ: معرفةُ الطريقِ إلى المدينة، ومعه زادُه فيه.
ومَن وجَدَ عُذْرًا مِن هذه الثلاثة، فهو مِن المستضعَفِينَ؛ فقد يكونُ الرجلُ أو المراةُ صحيحَ البدنِ عارفًا بطريقِ المدينة، ولكنَّه مغلوبٌ مِن قريشٍ كالمحبوسِ؛ لأنَّهم يجعَلُونَ أَعْيُنًا لِمَن خَرَجَ مِن مكةَ، وقد يكونُ عارفًا بالطريق، آمِنًا فيه ومعه زادُه، يجدُ مَلاذًا مِن قريشٍ، لكنَّه مريضٌ بما لا يستطيعُ معه الخروجَ.
ومَن كان معذورًا، فقد رفَعَ اللهُ عنه الحرَجَ؛ قال ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾.
وقولُهُ تعالى: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ هو كقَولِهِ في العنكبوتِ: ﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [٥٦]، وفي ذلك إشارةٌ إلى وجوبِ الخروجِ مِن مَكَّةَ ولو إلى غيرِ المدينةِ عندَ العَجْزِ عنها.
وفي هذا: الهجرةُ مِن بلدِ الكفرِ التي لا يتمكَّنُ المُسلِمُ فيها مِن إظهارِ دِينِهِ إلى بلدِ الكفرِ التي يتمكَّنُ فيها مِن ذلك؛ كهِجْرةِ مَن هاجَرَ إلى الحبَشة، وفاعلُ ذلك معدودٌ مِنَ المهاجِرِينَ، ومُدرِكٌ لأجرِ الهجرةِ وفَضْلِها.
الفرقُ بين بلدِ الإسلامِ وبلدِ الكفر:
وأمَّا الفرقُ بينَ بلدِ الإِسلامِ وبلدِ الكفر، فالأصلُ أنَّه يَرجِعُ إلى دينِ الناس، لا إلى حُكَّامِهم، فالشُّعُوبُ والمَحكومونَ إنْ غلَبَ عليهِمُ الإِسْلامُ وهم سَوَادُ أهلِ البلد، ويُقيمونَ شَعائرَ الدِّينِ فيها، فبَلَدُهُمْ بلدٌ مسلِمٌ، ولو كان الحاكِمُ كافرًا.