للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأَسْرُ والسَّبْيُ في زمنِ الضَّعْفِ:

والجهادُ في زمنِ الضَّعفِ وعدمِ القوَّةِ لا ينبغي معه للمؤمِنِينَ الاستكثارُ مِن الأَسْرِ والسَّبْيِ؛ وإنَّما الإثخانُ في العدوَّ بالقتلِ؛ فإنَّ الاستكثارَ مِن الأَسْرِ يُؤدِّي إلى الرُّكُونِ إلى الدُّنيا، وطُولِ أَمَدِ الضَّعْف، وتأخُّرِ النَّصْر، والتعلُّقِ بالدُّنيا، وقد جاء عن ابنِ عبَّاسٍ في قولِه: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ قال: "ذلك يومَ بدرٍ والمُسلِمونَ يومئذٍ قليلٌ، فلمَّا كَثُرُوا واشتَدَّ سُلْطانُهم، أنزَلَ اللهُ بعدَ هذا في الأُسَارَى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤]، فجعَلَ اللهُ النبيَّ والمؤمنينَ في أمرِ الأُسَارَى بالخِيَارِ؛ إنْ شاؤُوا قتَلُوهم، وإنْ شاؤُوا استعبَدُوهم، وإنْ شاؤُوا فَادَوْهُم" (١).

ويأتي مزيدُ كلامٍ في حُكْمِ العملِ مع الأَسْرَى في سورةِ محمدٍ بإذنِ اللهِ.

الجهادُ شريعةُ الأنبياءِ:

وفي قولِه تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ دليلٌ على أنَّ الجهادَ شريعةٌ للأنبياءِ قبلَ محمدٍ ، على اختلافٍ في أحوالِهم؛ وهذه الآيةُ كقولِهِ كما في البخاريُّ: (لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لَأْمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) (٢)؛ ففي الحديثِ مِن الدَّلَالةِ على ما سبَقَ كما في الآية، وقد تقدَّمَ الكلامُ على عموم مشروعيَّةِ الجهادِ على الأنبياءِ في قولِهِ تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ [٢١٦] مِن البقرة، وفي قولِهِ تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [١٤٦] مِن آلِ عِمرانَ.

* * *


(١) تفسير الطبري" (١١/ ٢٧٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧٣٢).
(٢) أخرجه البخاري معلقًا قبل حديث (٧٣٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>