للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَعْدةِ ومعَهُمُ الهَدْيُ، حتَّى إذا كانوا بالحُدَيْبِيَةِ، صَدَّهُمُ المشرِكُونَ، فصالَحَهُم نبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على أنْ يَرجِعَ مِن عامِهِ ذلك، حتَّى يَرجِعَ مِنَ العامِ المُقبِلِ؛ فيكونَ بمكَّةَ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ ولا يَدْخُلَها إلَّا بسِلَاحِ راكبٍ ويَخْرُجَ، ولا يَخْرُجَ بأَحَدٍ مِن أهلِ مكَّةَ، فنَحَرُوا الهَدْيَ بالحُدَيْبِيَةِ، وحَلَّقُوا وَقَصَّرُوا.

حتَّى إذا كانَ مِنَ العامِ المُقِبلِ، أقبَلَ نبيُّ اللهِ وأصحابُهُ حتَّى دخَلُوا مَكَّةَ، فاعتمَرُوا في ذي القَعْدةِ، فأقامُوا بها ثلاثَ ليالٍ، فكانَ المشرِكُونَ قد فخَرُوا عليه حِينَ رَدُّوهُ يومَ الحُدَيْبِيَةِ، فأَقَصَّهُ اللهُ منهم، فأدخَلَهُ مَكَّةَ في ذلك الشَّهْرِ الذي كانوا رَدُّوهُ فيهِ في ذي القَعْدةِ؛ فقال اللهُ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} " (١).

وروى عن ابن جُرَيْجٍ؛ قال: قلتُ لعَطَاءٍ: وسألتُهُ عن قولِه: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}، قال: "نزلَتْ في الحُدَيْبِيَةِ، مُنِعُوا في الشَّهْرِ الحرامِ، فنَزَلَت: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ}: عُمْرةٌ في شَهْرٍ حَرَامٍ، بعُمْرةٍ في شَهْرٍ حَرَامٍ" (٢).

الحكمةُ مِنْ تأخيرِ دخولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - مكَّةَ:

وكانَ تأخيرُ دخولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لمَكَّةَ لحِكَمٍ كثيرةٍ، منها: أنْ يعتادَ المؤمنونَ على الصَّبْرِ، ومنها: أنَّ اللهَ جعَلَ دخولَهُمُ العامَ السابِعَ أظهَرَ في القُوَّةِ والكثرةِ؛ فقد تتابَعَ الناسُ في السَّنَةِ السابِعةِ أكثَرَ مِن غيرِها؛ فكانوا أَهْيَبَ في نفوسِ المشرِكِينَ؛ ولذا قدَّر اللهُ لهم دخولَ مكَّةَ في العامِ الثامنِ بِلا كبيرِ قتالٍ؛ للهَيْبةِ التي جعَلَها اللهُ في نفوسِ قريشٍ مِن المسلِمِينَ، ومنها: أنَّ رؤيةَ قريشٍ للمسلِمينَ مرَّتَيْنِ سَنَةَ سِتٍّ وسَنَةَ سبعٍ


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٠٦) و (٢١/ ٢٩٣).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>