يتدرَّجُ بِخُطَاهُ في الإغواءِ فلا يَجْرِي ولا يُسرِعُ بل بخُطًا بطيئةٍ؛ ولذا قال: ﴿خُطُوَاتِ﴾؛ تقليلًا لها؛ لأنَّ خُطَا إبليسَ منفِّرةٌ ومخالِفةٌ للفِطْرةِ، فتحتاجُ إلى تدرُّجٍ وإيناسٍ كإيناسِ الخائفِ النافِرِ بإدخالِهِ إلى ما يَخافُهُ، وكخُطَا الداخِلِ مِن الظُّلمَةِ إلى النورِ فيتدرَّج بالدخولِ، ولا يَعْجَلُ حتى يأنَسَ بنفسِهِ.
واللهُ وصَفَ الشيطانَ بالعداوةِ للإنسانِ، والعداوةُ للإنسانِ على مَرَاتِبَ، أعلاها وأَبْيَنُها وضوحًا العداوةُ التي لا ينتفِعُ منها المعتدِي؛ وإنَّما يفعلُها كيدًا ومَكْرًا بالعدوِّ، وهذه عداوةُ إبليسَ، فليس له انتفاعٌ مِن عداوةِ الإنسانِ؛ ولذا وصَفَ اللهُ عداوتَهُ بالمُبِينةِ: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.
وقد تقدَّم الكلامُ على عداوةِ إبليسَ عند قولِهِ تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨].
قال بعضُهم كالسُّدِّيِّ: إنَّ الآيةَ نزَلَتْ قبلَ الزكاةِ، ثمَّ نسَخَتْها آياتُ الزكاةِ (١)؛ وهذا القولُ فيه نظرٌ، ولو قيلَ بذلك، لكانت آياتُ الزكاةِ ناسخةً لكلِّ حَثٍّ على النفقةِ والصدقةِ؛ وهذا لا يقولُ به قائلٌ.
الصدقةُ وأفضَلُها:
والآيةُ في فضلِ النفقةِ على الأَقْرَبِينَ والصدقةِ عليهم، ولا خلافَ