فمنهم من جَعَل الصلبَ لازمًا مع كلِّ مَن قتَلَ حِرابةً ولو لم يكنْ معه أخذُ مالٍ؛ وهذا قال به النخَعيُّ في أحد قولَيْه.
ومنهم مَن أضافَ للقتلِ أخذَ المالِ ليكونَ الصلبُ؛ رُويَ هذا عن ابن عباسٍ وعطاءٍ وسعيد بنِ جُبيرٍ وأبي مِجْلَزٍ لاحِقِ بنِ حُمَيْدٍ وقتادةَ والنخَعيِّ في قولٍ له آخَرَ.
وجاء عن ابنِ جُبيرٍ أنه قل تجتمِعُ على المُحارِبِ الحدودُ الثلاثةُ: القطعُ والقتلُ والصلبُ، إنْ جمَعَ التخويفَ وأخْذَ المالِ والقتلَ، فيُقطَعُ ثم يُقتَلُ ثمَّ يُصلَبُ.
وما عدا إيجابَ القتلِ على مَن قتَلَ حِرَابةً، والقطعِ على مَن أخَذَ المالَ -اجتهادٌ من السلفِ؛ ولهذا تنوَّعَ قولُهُمْ، وإنَّما اختلَفَ كلامُهم فيه، لا في أصلِ المسألةِ؛ لاختلافِ الحالِ التي كان حديثُ الواحدِ منهم عليها؛ فقد يكونُ القتلُ في أخذِ المالِ فقطْ أو التخويفِ فقطْ إذا عظُمَ أثرُهُ، ولكنْ لا يكونُ النفيُ أو القطعُ فقطْ في حِرابةٍ فيها قتلٌ، ولا يكون النفيُ فقطْ في حِرابةٍ فيها أخذُ مالٍ.
اختلافُ أحوالِ المحارِبينَ:
وقد جاء الحكم على التخييرِ؛ لاختلافِ الأحوالِ والأشخاص، والزمانِ والمكانِ؛ فمنها ما يحتاجُ إلى التشديد، ومنها ما لا يحتاجُ إليه؛ فقد تتَّفقُ الصورةُ الواحدةُ في الظاهر، ويختلفُ الحُكْمُ؛ لاختلافِ الحالِ أو الأشخاصِ أو الزمان؛ ولذا جاء عن جماعةٍ من السلفِ إطلاق تخييرِ الإمامِ؛ رُوِيَ هذا عن ابن عبَّاسٍ وابن المسيَّبِ وعطاءٍ ومجاهدٍ والنخَعيِّ والحسن، مع أنَّ منهم مَن جَزَمَ بنوعٍ من الحدودِ على نوعٍ من المُحارَبةِ على ما سبَقَ؛