للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)} [الأنفال: ٦٩].

في هذه الآيةِ: دليلٌ على حِلَّ الغنائمِ لأُمَّةِ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وهي مِن خصائصِ هذه الأُمَّةِ على ما تقدَّمَ بيانُهُ استطرادًا عندَ قولِهِ تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦]، وقولِهِ تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران: ١٦١]، وفي صدرِ هذه السورةِ الأنفالِ.

الغنائمُ في الأُمَمِ السابقةِ:

وأمَّا ما جاءَ في بعضِ الآياتِ التي قد يُفهَمُ منها حِلُّ الغنيمةِ في الأُممِ السابقةِ؛ كقولِهِ تعالى في الشُّعَراءِ: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: ٥٧ - ٥٩]، ومِثْلِها في الدُّخَانِ: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (٢٧) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الدخان: ٢٥ - ٢٨]، فالمرادُ بذلك قُرَاهُمْ وبُلْدانُهم وبَسَاتِينُهم وزُرُوعُهم، وليس المرادُ بذلك غنائمَ الحَرْبِ؛ فما وَرِثَتْهُ بنو إسرائيلَ: بُلْدانُهم بما فيها، وهذا يكونُ في كلِّ الأُمم، والغنائمُ تُطلَقُ على ما كُسِبَ في القتالِ والحرب، لا ما يُؤخَذُ عَقِبَ الأُممِ الهالكةِ بعذابِ الله، فتُورَثُ ببُيوتِها وبساتينِها، وتُخْلَفُ في بُلْدانِها.

والسُّنَّةُ صريحةٌ في أنَّ الغنائمَ التي تكونُ في القتالِ لم تَحِلَّ لأحدٍ، وفي السُّنَنِ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ قال - صلى الله عليه وسلم - (لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُؤُوسِ قَبْلَكُمْ) (١)، وأصلُ خَصُوصيَّةِ هذه الأُمَّةِ بالغنيمةِ في


(١) أخرجه أحمد (٢/ ٢٥٢)، والترمذي (٣٠٨٥)، والنسائي في "السنن الكبرى" (١١١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>