للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّه يخلُو بنفسِهِ أكثَرَ مِن مخالطتِهِ للناسِ غالبًا، فجاءتِ النصوصُ وافرةً في تعظيمِ ذُنُوبِ الخَلَواتِ، وتعظيمِ التقوَى وخشيةِ اللهِ في القلبِ؛ حتى يتوازنَ حِفْظُ النفسِ في السرِّ والعلنِ؛ لأنَّ الإنسانَ في خاصَّتِهِ يضعُفُ وازِعُ الطبعِ عندَهُ؛ لأنَّ الحياءَ مِن الناسِ يزولُ بزوالِهِ عنهم.

وإذا اتَّسَعَتْ دائرةُ عملِ الفردِ، اتَّسَعَتْ دائرةُ ضبطِ الشريعةِ له والمراقبةِ والحسابِ عليه، ويبدأُ بفعلِهِ الذي يفعلُهُ بنفسِهِ ويراهُ الناسُ عليه، فهو الفاعلُ والناسُ يَرَوْن، وهذا نوعُ مشاركةٍ وتأثيرٍ على الرائي، فجاء بابُ الإنكارِ للأفرادِ بمراتبِهِ وضوابطِهِ المعروفةِ، وإذا كان الأمرُ مرتبِطًا بأكثرَ مِن واحدٍ عملًا؛ كأفعالِ البيعِ والإجارةِ والنكاحِ، ازدادَ الضبطُ بحَسبِ الحالِ؛ حتى يكونَ أمرُ الأمَّةِ أكثرَ اتِّساعًا؛ كما في الحدودِ والعقوباتِ، والسياسةِ والحُكْمِ.

وقد كان النزولُ في المدينةِ؛ لأنَّ حالَ المسلِمِينَ قبلَها في عدمِ استقرارٍ، ولم يكنْ لدى النبيِّ نظامٌ عامٌّ ودولةٌّ؛ لعدمِ وجودِ أسبابِها؛ لأنَّه محارَبٌ لم يَقَرَّ له قرارٌ، ولا يَتْبَعُهُ كبيرُ أَحَد؛ فكيف يُقيمُ نظامًا ولم تكنْ له منظومةٌ وبَلَد؟ !

ثمَّ إنَّ تعدِّيَ المشرَّدِ الطريدِ على أخيهِ الذي معه نادرٌ أو معدومٌ؛ لأنَّ همَّهم عدوانٌ أكبرُ، وهو عداوةُ الكافرينَ، فيضعُفُ النظرُ إلى الدُّنيا في مِثْلِ هذه المواضعِ، ويُزهَدُ في الدُّنيا، ويَقِلُّ التنافُسُ عليها أو يُعدَمُ، فلن يَعتدِيَ بعضُهم على بعضٍ غالبًا.

متى أمَرَ اللهُ بإقامة الحدود، والحكمةُ مِن ذلك:

ولمَّا كانتِ الحدودُ إنَّما تُقامُ على محرَّماتٍ تُرتكَبُ، وآثامٍ تُقترَفُ، ناسَبَ تأخيرُ فرضِ الحدودِ؛ حتى يُقِرَّ الناسُ بتلك المحرَّماتِ والآثامِ، وأنَّه لا يجوزُ الوقوعُ فيها، فلا تُناسِبُ العقوبةُ على أحدٍ لا يَعلَمُ بجُرمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>