للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧)} [المائدة: ٩٧].

والكعبةُ هي ما يُطافُ بها، لا عمومُ الحَرَمِ ولا المسجد، وإنَّما سُمِّيَت كَعْبةً؛ لأنَّها مكعَّبةٌ؛ كما صحَّ عن مجاهدٍ وعِكْرِمةَ وغيرِهما (١).

الحكمةُ مِن وضعِ الكَعْبةِ:

وقد جعَلَ اللهُ الكعبةَ {قِيَامًا لِلنَّاسِ}؛ يعني: تَؤمُّهُمْ وتَجمَعُهُمُ على دِينٍ واحدٍ، وملَّةٍ واحدةٍ، وإنِ اختلَفُوا في أنسابِهم وأعراقِهم وبُلْدانِهم، يَجمَعُهم اللهُ على قِبْلَتِهم وبَلَدِهم الحرامِ، وقد امْتَنَّ اللهُ على العربِ أولَ الأمرِ أنْ جعَلَ الكعبةَ قيامًا لهم تَجْمَعُهم، فكان في الأممِ ملوكٌ ورؤوسٌ يَتَّحِدُونَ بهم ويَعْتصِمونَ وَيلُوذونَ بهم عندَ الشدائدِ على غيرِهم، فيتَّحِدونَ على خصومِهم بحُكَّامِهم ورؤُوسِهم، فامْتَنَّ اللهُ على العربِ أولَ أمرِهم بقِبْلةٍ واحدةٍ تَجمَعُهم يتَّفقونَ على حمايتِها ويتَّحِدونَ عليها، ويُعظِّمونَ قاصدَها فلا يَعتدونَ عليه، ثُمَّ كانت بعدَ ذلك قيامًا لكلِّ مسلمٍ.

وقولُه {قِيَامًا لِلنَّاسِ}؛ يعني: قِيَامًا لدِينِهِمْ، ومَعْلَمًا لِحَجِّهم؛ كما جاء عن ابنِ عبَّاسِ وسعيدِ بنِ جُبيرٍ (٢).

ومِثُل ذلك الشهرُ الحرامُ والهَدْيُ والقلائدُ، لقد جعَلَها الله معظَّمةً عندَهم؛ يُقِيمونَ الحقَّ بها، ويُعظِّمونَها ويُعظِّمونَ فاعلَها، وَيعصِمونَ الدمَ في الشهرِ الحرامِ ولا يَعْتدونَ فيه، ويُعظِّمونَ القلائدَ ومُقلِّدِيها، والهَدْيَ وسائقيه، فقامتْ بذلك دُنياهم تَبَعًا لقيامِ تلك الشعائرِ وحِفظِها، حتى إنَّهم


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٢١٣).
(٢) "تفسير الطبري" (٩/ ٨)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٢١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>