للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقدَّمَ الكلامُ على هذا في سورةِ البقرةِ عندَ قولِه تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [البقرة: ٢١٧].

توبةُ المرتَدِّ ورجوعُ عملِهِ الصالحِ الحابطِ:

وعملُ الكافرِ الصالحُ الذي يُخلِصُهُ للهِ وهو مشرِكٌ، فهذا يُعجَّلُ له نفعُه في الدُّنيا, وليس له في الآخِرةِ به مِن نصيبٍ، ومَن عَمِلَ شيئًا وأشرَكَ مع اللهِ فيه غيرَهُ وهو مشرِكٌ، فلا يَلحَقُهُ نفعُه في الدُّنيا والآخِرةِ؛ وهذا ظاهرُ قولِه تعالى: ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [البقرة: ٢١٧].

والله يرزُقُ الكافرَ كما يرزُقُ الحيوانَ؛ لأنَّ هذا مُقتضَى ربوبيَّتِه، فخَلَقَ الخَلْقَ وهو المتكفِّلُ بهم، وأصلُ الرزقِ مِن لوازمِ الربوبيَّة، لا مِن لوازم الألوهيَّة، وإن كان للهِ رزقٌ لمَن أطاعَهُ، ومنعٌ لِمَنْ عصاهُ؛ فهذا الرزقُ والمنعُ الخاصُّ وليس هو العامَّ، وقد سمَّى اللهُ نفسَهُ بـ (خيرِ الرازِقِينَ)؛ لأنَّه يرزقُ الكافرَ والمؤمنَ؛ لأنَّه ربُّهم جميعًا، وخَلْطُ كثيرٍ مِن العامَّةِ في هذا البابِ دفَعَ بعضَهم إلى الإلحاد، فيرَوْنَ الكافرَ يُرزَقُ مع كفرِه، ويرَوْنَ المؤمنَ يُحرَمُ مع إيمانِه، ويظنُّونَ أنَّ الرزقَ مِن لوازمِ الألوهيَّة، وهذا خطأٌ؛ فنعيمُ الدُّنيا مِن لوازمِ ربوبيَّتِه، ونعيمُ الآخِرةِ مِن لوازمِ ألوهيَّتِه؛ فالكافرُ في النار، والمؤمنُ في الجنةِ.

دعوةُ الكافِرِ المظلوم:

ولهذا يستجيبُ اللهُ للكافرِ دعاءَهُ إذا كان مظلومًا, ولا ينظُرُ إلى دِينِه؛ كما يُروى في الحديثِ: (اتَّقُوا دَعْوَةَ المَظْلُومِ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا) (١)؛ لأنَّ عَدْلَهُ في كونِهِ مِن ربوبيَّتِهِ كما أنَّه مِن ألوهيَّتِه؛ حتى تستقيمَ الحياةُ فلا


(١) أخرجه أحمد (١٢٥٤٩) (٣/ ١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>