للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال ابنُ عبَّاسٍ في قولِه تعالى: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾: لا تقولوا خِلافَ الكتابِ والسُّنَّة (١).

تعظيمُ أقوالِ النبيِّ وأصحابِه:

ولا يجوزُ لأحدٍ إذا سَمِعَ حديثَ النبيِّ أن يقدِّمَ عليه قولَ أحدٍ مِن الناسِ، وقولُه تعالى: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)﴾ نزَلَ في أبي بكرِ وعمرَ مع أنَّهما أفضلُ الأمَّةِ بعدَ نبيِّها، فجرَى عليهم التشديدُ مع مَقَامِهم وفَضلِهم؛ فكيف بغيرِهم؟ ! وقد ثبَتَ في البخاريِّ؛ مِن حديثِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ؛ قال: كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهلِكَا: أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ ؛ رَفَعَا أَصوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ حِينَ قَدِمَ عَلَيهِ رَكْبُ بنِيِ تَمِيمٍ، فَأشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بن حَابِسٍ أخِي بنِي مُجَاشعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ -قَالَ نافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ- فَقَالَ أَبُو بَكْر لِعُمَرَ: مَا أرَدتَّ إِلَّا خِلَافِي، قَالَ: مَا أرَدتُّ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَت أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ﴾ الآيةَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفهِمَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ؛ يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ (٢).

ومِن تعظيمِ النبيِّ : تعظيمُ قولِ أصحابِه، خاصَّةً خلفاءَهُ؛ لأنَّهم أعلَمُ الناسِ بمُرادِهِ ؛ فأقوالُهم وأفعالُهم تخصِّصُ أقوالَهُ وتوجِّهُها؛ لأنَّهم يَعْلَمونَ منه ما لا يَعلَمُهُ غيرُهم، ولفضلِهم وديانتِهم لا يُمكِنُ أنْ يتعمَّدُوا عِصْيَانَه، ولا يجوزُ لأحدٍ أنْ يترُكَ قولَ الخُلَفاءِ الراشدينَ بحُجَّةِ


(١) "تفسير الطبري" (٢١/ ٣٣٥)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١٠/ ٣٣٠٢).
(٢) أخرجه البخاري (٤٨٤٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>