ذكَرَ اللهُ فَضْلَ المُنفِقينَ، وذكَرَ فضلَ النفقةِ في الشِّدَّةِ واللِّين، والسَّعَةِ والضِّيق، والقُدْرةِ والعَجْز، والقُوَّةِ والضَّعْفِ؛ إشارةً إلى تَوَارُدِ الحالِ عليه؛ فلا يَقبِضُ خوفَ الفقر، ولا يبسُطُ إذا أمَّلَ الغِنى، وهذا حالُ أهلِ اليقينِ؛ يَثْبُتُونَ على الطاعةِ ما قَدَرُوا عليها، وكلَّما كانتِ الحالُ أَشَدَّ، فالعملُ فيها أعظَمُ، وكلَّما كان الإنسانُ في السرَّاءِ إلى اللهِ أقرَبَ، كان اللهُ إليه في الضَّرَّاءِ أقرَبَ، وأقرَبُ الناسِ إلى اللهِ الثابتُ في سرِّه وعلانيتِه، وسرَّائِهِ وضرَّائِهِ.
تلازُمُ كظمِ الغيظِ معَ النفقاتِ:
وذَكَر اللهُ كَظْمَ الغيطِ مع ذِكرِهِ النفقةَ؛ تحذيرًا ممَّن يُنفِقُ لِحَظِّ نفسِه؛ فيُنفِقُ على مَن يَرْضَاهُ، ويُمسِكُ عمَّن لا يرضاهُ، وهذا مِن دقيقِ الرِّياءِ، وممَّا يَنقُصُ العملَ أو يُبطِلُهُ ويُذهِبُ بَرَكَتَهُ، وكثيرًا ما يفعلُ الإنسانُ ويظُنُّ أنَّه يفعلُهُ لله، وهو يفعلُهُ لحظِّ نفسِهِ وهَوَاهُ، وربَّما يَعرِفُ بعضُ الصالحينَ مواضعَ الرِّياءِ في العمل، ويَخْفَى عليه مواضعُ الرياءِ في التَّرْك، فيترُكُ لغيرِ اللهِ ويظُنُّ أنَّه لله، وإنَّما هو انتصارٌ لنفسِه، فمَن آذَاهُ، مَنَعَهُ النفقةَ، ومَن أحسَنَ إليه، أَحبَّهُ وأنفَقَ عليه، والنفقةُ حقٌّ للهِ وللمحتاجِ لا للغنيِّ، فيجبُ أنْ يتخلَّى الغنيُّ عن جميعِ حظوظِ النفسِ.
فضلُ كظمِ الغيظِ:
وقولُه: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾؛ أي: لا يُؤثِّرُ ذلك على فِعْلِهم ولا على تركِهم قبلَ غيظِهم، وأعظَمُ الكاظِمينَ للغيظِ أجرًا أَقْدَرُهم على الانتقام، وأمَّا الكاظمُ لغيظِهِ غيرُ القادرِ على الانتصارِ لنفسِه، فَيُؤجَرُ على قدرِ كَظْمِهِ لغيظِهِ وحَبْسِهِ لِما يَقدِرُ عليه؛ فأقلُّ الناسِ يقدرُ على الانتصارِ