وربَّما يُثابُ على ما يَجِدُهُ في نفسِه مِن ألَمِ ظُلْمِه؛ لِشِدَّتِهِ عليه وهو غيرُ قادرٍ على الانتصارِ لنفسِه، أكثرَ ممَّن يكتُمُ غيظَهُ وهو قادرٌ على الانتصارِ لنفسِه، لكنَّ ألمَ غيظِه عليه ضعيفٌ؛ لِبُرُودةٍ في طَبْعِهِ وعدمِ حِدَّةٍ، أو يَحبِسُ غيظَه لغيرِ اللهِ خوفًا أنْ تسقُطَ هيبتُهُ عندَ الناس، ويقعُ هذا كثيرًا في المتكبِّرينَ؛ يترُكُونَ الانتصارَ للنفسِ كِبْرًا أنْ يَنتَصِرُوا على مَنْ دُونَهم مِن الضعفاءِ؛ فهؤلاء لا يُؤجَرُونَ على كتمِ غيظِهم؛ لأنَّهم كَتَمُوهُ لغيرِ الله، ولو قدَرُوا على الانتصارِ في الخفاء، لَانْتَصَرُوا.
فضلُ العفوِ:
وقولُه: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ فيه استحبابُ العفوِ والمسامحةِ، خاصةً عندَ الحقوقِ الماليَّةِ؛ لأنَّ العفوَ وكَظْمَ الغيظِ عُطِفَ على النفقةِ الماليَّة، وقد يُؤخَذُ مِن هذا إسقاطُ الدَّيْنِ عن المَدِينِ العاجز، ويُؤجَرُ على هذا، ولكنَّ أجرَهُ عيه دونَ أجرِ مَن أخرَجَ المالَ صدقةً ابتداءً؛ لأنَّ ذلك أسقَطَ دَيْنَهُ بعدَ يأسٍ مِن الوفاءِ، وعجزٍ عن الانتفاعِ به، وذاك أخرَجَ مالَهُ وهو بيدِهِ قادرٌ على الانتفاعِ به، وفي مسألةِ إسقاطِ الدَّيْنِ واحتسابِهِ مِن الزكاةِ كلامٌ تقدَّمَ بسطُهُ في سورةِ البقرةِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨٠].
(١) أخرجه أحمد (١٥٦٣٧) (٣/ ٤٤٠)، وأبو داود (٤٧٧٧) (٤/ ٢٤٨)، والترمذي (٢٠٢١) (٤/ ٣٧٢)، وابن ماجه (٤١٨٦) (٢/ ١٤٠٠).