للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي تقوِّي الفِطْرةَ؛ فإنَّ الشيطانَ يَقْرُبُ مِن الفردِ ويبتعِدُ عن الجماعة، فالصلةُ تُوثِّقُ غريزةَ الحياءِ والأمانة، وإذا ابتعَدَ الإنسانُ عن مَعارفِه وقَرَابتِه، ضَعُفَتْ نفسُه، وقَوِيَ شيطانُه، وسوَّلتْ له نفسُهُ الشرَّ؛ فالنفوسُ الضعيفةُ في بلدِ الغُرْبةِ غيرُها في بلدِ الأهلِ والعَشِيرَةِ؛ ولذا قَرَنَ اللهُ قطيعةَ الرحمِ بالفسادِ في ثلاثةِ مواضعَ: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ في البقرةِ والرعدِ [البقرة: ٢٧، والرعد: ٢٥]، وقال في سورةِ محمَّدٍ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [٢٢].

أنواعُ الأرحامِ:

والرحِمُ على نوعَيْنِ:

الأولُ: الرَّحِمُ المحرَّمةُ؛ أيْ: مَنْ يَحْرُمُ الزواجُ به لو كان أحدُهما أُنْثَى، والآخَرُ ذَكَرًا؛ وهذا النوعُ أعظَمُ في الحقِّ، وكلَّما كانتِ المَحْرَمِيَّةُ أعظَمَ، كان الوصلُ أَوْجَبَ، والقطيعةُ أشَدَّ؛ فالأمُّ أعظَمُ مِن الأب، والوالدانِ أعظَمُ مِن الأبناء، والأبناءُ أعظَمُ مِن الإخوة، والإخوةُ أعظَمُ مِن الأعمامِ والأخوالِ.

والآباءُ وإنْ عَلَوْا حكمُهُمْ واحدٌ، إلَّا أنَّ الحقَّ يضعفُ كلَّما بَعُدَ؛ فالأبُ أعظَمُ مِن الجَدِّ، والجدُّ الأولُ أعظَمُ مِن الجدِّ الثاني، وهكذا في الأبناءِ وإنْ نزَلُوا.

ولأَجْلِ الرحِمِ حَرَّمَ اللهُ الجمعَ بينَ الأختَيْن، والجمعَ بينَ المرأةِ وعمَّتِها أو خالتِها؛ لأنَّهما لا يَحرُمانِ على الانفِرادِ؛ لأنَّ الجمعَ بينَهما يُؤدِّي إلى قطيعةِ الرحِمِ؛ ففي "الصحيحَيْنِ"، عن أبي هُرَيْرَةَ؛ قال : (لَا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ المَرْأَةِ وَخَالَتِهَا) (١).


(١) أخرجه البخاري (٥١٠٩) (٧/ ١٢)، ومسلم (١٤٠٨) (٢/ ١٠٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>