ويدلُّ على هذا كلِّه: حديثُ أبي هُرَيرةَ في "الصحيحَيْنِ" مرفوعًا؛ (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطرَة، فَأَبوَاهُ يهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ)(١).
تغييرُ الفطرةِ:
وعلى القولِ الثَّاني: فيُقالُ بإمكانِ تغييرِ أصلِ الطبعِ؛ كما يُمكِنُ تغييرُ أصلِ الشَّرْع، وتغييرُ أصلِ الشرحِ وفرعِهِ معروفٌ؛ كما عِندَ الأحبارِ والرُّهْبانِ والأئمَّةِ المضلِّينَ، أمَّا تغييرُ أصلِ الفِطْرةِ: فإنَّه نادرٌ، مع إمكانِ وقوعِهِ في أفرادٍ، لا في أمَّةٍ، فلا يمكِنُ أن يكونَ الحياءُ مذمومًا، ولا السترُ مستقبَحًا، ولا العفافُ مَعِيبًا أبدًا، وإن وقَعَ في أفرادٍ، لكنَّه لا يقَعُ في أمةٍ فتَجتمِعَ عليه، ولكنْ قد يقَعُ التبديلُ في بعضِ أحوالِهِ وصُوَرِهِ زمانًا ومكانًا، لا إطلاقًا؛ كطوافِ الناسِ عُراةً عندَ البيتِ في الجاهليَّةِ؛ فليس عامًّا، وإنَّما خاصٌّ في زمانِ ومكانٍ، ومِثلُه الحياءُ والعفافُ والصِّدْقُ وغيرُه، فإنَّه لا يُمكِن رفعُهُ مِن الإنسانِ بالكلِّيَّةِ حتَّى لا يُقالَ بوجودِه، وأعظَمُ مِن ذلك: نفيُ الخالقِ وجَحْدُ وجودِه؛ لأنَّه أثبَتُ في العقلِ والنفس مِن وجودِ النَّفسِ عندَ نفسِها، ولو أخِذَتْ أطرافُ شريعةِ دينِ اللهِ وبُدِّلَتَ أحكامُه، لا يُمكِن أن يرفَعَ أصله، وهو وجودُ الخالقِ وتفرُّدُهُ بكَوْنِهِ خَلْقًا وتصرُّفًا، ولا يمكِنُ أن يصحُّ لأحدٍ عقلٌ معَ