للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكمةُ من الأمرِ بالصلاةِ بعد أحكامِ الطلاقِ والعِدَدِ والرجعةِ:

وجاء الأمرُ بعدَ ذِكْرِ أحكامِ الطلاقِ والعِدَدِ والرَّجْعةِ والصَّدَاقِ، وهذه صِلَةٌ بينَ الزوجَيْنِ، وللصلاةِ أثرٌ في الإحسانِ فيها، فأكثرُ الناسِ صلاةً وأدوَمُهم عليها أشدُّهم إحسانًا في فِعْلِه، وأحسنُ الناسِ تعامُلًا مع الخالقِ أحسَنُهُمْ تعامُلًا مع المخلوقِ؛ فالصلاةُ تَنْهَى عنِ الفحشاءِ والمنكَرِ، وتُعِينُ العبدَ على التواضُعِ للمخلوقِ؛ فأكثرُ الناسِ صلاةً أكثَرُهُمْ تواضُعًا، وقد حمَلَ بعضُ السلفِ قولَهُ تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: ٢٩] على التواضُعِ؛ قاله مجاهِدٌ (١).

والصلاةُ التي لا تُورِثُ صاحِبَها صلاحًا بينَهُ وبين الناسِ: قاصِرةٌ في حقيقتِها، فالصلاةُ تُصلِحُ صاحِبَها، ولازِمُ صلاحِهِ في نفسِهِ صلاحُهُ مع غيرِه؛ ولهذا أمَرَ اللهُ بالصلاةِ بعدَ ذِكْرِ أحكامِ صلةِ الزوجَيْنِ بعضِهما ببعضٍ، ومَن صلَحَ في بيتِهِ، صلَحَ في غيرِه، فالأخلاقُ تَبِينُ في البيوتِ وبين الأزواجِ، ولا تَبِينُ في الأَبْعَدِينَ، فقد تصلُحُ صلةٌ مع الأبعدِينَ وهي فاسِدةٌ مع الأقرَبِينَ؛ لطولِ المجالَسةِ والمنادَمةِ، ومشقَّةِ حبسِ النفسِ عن إخراجِ ما تطبَّعَتْ عليه مِن خُلُقٍ.

والمحافظةُ على الصَّلَواتِ مِن أفضلِ القُرُباتِ؛ ففي "الصحيحَيْنِ" عن ابنِ مسعودٍ؛ قال: سَأَلْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا)، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (بِرُّ الْوَالِدَيْنِ)، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ) (٢).

والمحافَظَةُ على الصلاةِ زكاءٌ مِنَ النفاقِ، وطُهْرةٌ مِن السُّمْعةِ والرِّياءِ؛ لأنَّ الذي يُحافظُ عليهنَّ جميعًا يدورُ به الوقتُ في اليومِ والليلةِ


(١) "تفسير الطبري" (٢١/ ٣٢٣).
(٢) أخرجه البخاري (٥٢٧) (١/ ١١٢)، ومسلم (٨٥) (١/ ٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>