للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعدلُ اللهِ يكونُ في الجنسِ الواحدِ عندَ تعذُّرِ أسبابِ القيامِ بالتكاليفِ؛ فالأعمَى تَفُوتُهُ العباداتُ البَصَريَّةُ، وهذا الفَوْتُ يجعَلُهُ اللهُ في غيرِها في بقيةِ حواسِّ الإنسانِ وأركانِه، والأصَمُّ تَفُوتُهُ العباداتُ السمعيَّةُ ويجعَلُ اللهُ أجرَ ما فاتَهُ في بقيةِ حواسِّه؛ فإنَّ صلاةَ القاعدِ العاجزِ كصلاةِ القائمِ القادرِ سواءً، وهذا مُقتضَى حديثِ عِمرانَ بنِ حُصَيْنٍ؛ كما في "الصحيح": (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) (١)، وهذا عندَ العجزِ يَسْتَوِي الأجرُ؛ لأنَّ عِمرانَ كان مريضًا بالبواسيرِ.

وعندَ التقصيرِ في العبادةِ مع القدرةِ عليها، ينقُصُ الأجرُ بمقدارِ ما ترَكَ مِن المقدورِ؛ لحديثِ: (صَلَاتُهُ قَائِمًا أَفْضَلُ مِن صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَصَلَاتُهُ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ قَائِمًا) (٢)، وهذا في النَّفْلِ؛ فإنَّ ترْكَ القيامِ مع القدرةِ عليه في الفرضِ مُبطِلٌ لها.

شروطُ قبولِ العملِ:

وفي قوله تعالى: ﴿لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ إشارةٌ إلى قَبُولِ كلِّ عملٍ عَمِلَهُ الإنسانُ مع إخلاصٍ في ظاهرِه، ومتابَعَةٍ في باطِنهِ؛ فالإخلاصُ والمتابعةُ هما شرطَا قَبولِ العمل، فالعملُ المُوافِقُ للسُّنَّةِ بلا إخلاصٍ: لا يُقبَلُ؛ ففي "صحيحِ مسلم"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ قال : (قَالَ اللهُ : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْك، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) (٣).

ومَن أخلَصَ في عملٍ ولم يكنْ على السُّنَّة، فعملُهُ بدعةٌ لا تصحُّ منه، وشرط الإخلاصِ أقوَى مِن شرطِ المتابعةِ؛ لأنَّ اللهَ لا يَقبَلُ العملَ


(١) أخرجه البخاري (١١١٧) (٢/ ٤٨).
(٢) أخرجه أحمد (١٩٨٩٩) (٤/ ٤٣٥)، وأبو داود (٩٥١) (١/ ٢٥٠).
(٣) أخرجه مسلم (٢٩٨٥) (٤/ ٢٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>