المقاتَلةُ تكونُ بين طرَفَيْنِ، وهي مِن المُفاعَلةِ؛ فكلُّ طَرَفٍ حريصٌ على قَتْلِ الآخَرِ، وأمَّا القتلُ فيكونُ مِن واحدٍ لآخَرَ، ولا يَلْزَمُ منه حرصُ الآخَرِ على قَتْلِه.
[أول تشريع الجهاد]
وهذه الآيةُ أوَّلُ آيةٍ نزَلَتْ في القتالِ في المدينةِ، وقد كان المسلِمُونَ يتهيَّؤونَ للذَّهَابِ إلى مَكَّةَ لعُمْرةِ القَضَاءِ سنةَ سِتٍّ، وظنَّ المسلِمونَ غَدْرَ المشرِكِينَ بالعهدِ، ويَخشَوْنَ مِن مباغَتَتِهم لهم بالقتالِ، ولم يكُنْ أُذِنَ لهم بالقتالِ في مِثْلِ هذه الحالِ؛ فأنزَلَ اللهُ الآيةَ بيانًا لذلك.
روى ابنُ جريرٍ الطبريُّ؛ مِن حديثِ أبي جعفرٍ، عنِ الرَّبِيعِ؛ في قولِه: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾؛ قالَ:"هذه أوَّلُ آيةٍ نزَلَتْ في القتالِ بالمدينةِ، فلمَّا نزَلَتْ، كان رسولُ اللهِ ﷺ يُقاتِلُ مَن يُقاتِلُهُ، ويَكُفُّ عمَّن كَفَّ عنه، حتَّى نزلَتْ: ﴿بَرَاءَةٌ﴾ ", ولم يذكُرْ عبدُ الرحمنِ:"المدينةَ"(١).
ولمَّا كانتِ الآيةُ مقيَّدةً بالمقاتَلةِ عند بدءِ العدوِّ بالقتالِ، مع النهيِ عن العدوانِ، حمَلَ بعضُ المفسِّرِينَ مِن السَّلَفِ ما جاء مِن آياتٍ آمِرةٍ بالجهادِ بالإطلاقِ على أنَّها ناسِخةٌ لهذه الآيةِ؛ فقد روى ابنُ جَريرٍ, عنِ ابنِ وهبٍ؛ قال: قال ابنُ زَيْدٍ، في قولِه: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ