للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعِلَّةُ تحريمِ الرِّبَا: أنَّه أَخْذُ المالِ بِلا حَقٍّ, وفيه استغلالُ ضَعْفِ الفقيرِ وحاجةِ المحتاجِ؛ فهو لم يأخُذْهُ مختارًا؛ وإنَّما مضطَرًّا.

وفي المنعِ مِن الرِّبا: وَأْدٌ لِشَرَهِ الأغنياءِ، وكَسْرٌ لطغيانِ الكُبَراءِ، ومنعٌ لزيادةِ فقرِ الفقيرِ لِيَزدادَ غِنَى الغنيِّ.

وأمَّا المَيْسِرُ، فهو: أكلُ أموالِ الناسِ بالباطلِ؛ للجَهَالةِ فيه، فلا يُعرَفُ آخِذُ المالِ، وربَّما لا يُعرَفُ عينُ المالِ ومِقْدارُهُ.

الفرقُ بينَ الربا والميسِرِ:

ويَختلِفُ الميسِرُ عنِ الرِّبَا: أنَّ الرِّبَا معلومُ المقدارِ وآخِذِ المالِ، ولكنَّه أخِذَ بلا حقٍّ، وأمَّا المَيسِرُ فلا يُعرَفُ آخِذُ المالِ، وقد لا يُعرَفُ مِقدارُهُ، ويُؤخَذُ بلا حقٍّ.

والغالِبُ في الميسرِ: أنَّ المتعامِلَ يفعلُهُ مختارًا بلا حاجةٍ، ويكونُ بين الأغنياءِ غالبًا، وأمَّا الرِّبَا: فيكونُ بين غنيٍّ وفقيرٍ أو محتاجٍ؛ ولذا عَظُمَ أمرُهُ مِن هذا الوجهِ.

الرضا بالرِّبَا والميسِرِ:

ولا أثَرَ للتراضِي بين الأطرافِ في ثبوتِ الحُكْمِ وعدَمِه؛ لأنَّ الرِّبا لم يَرْضَهُ المحتاجُ إلَّا لحاجَتِهِ؛ فهو يَرضى ظاهرًا لا باطنًا؛ ليَقضِيَ حاجتَهُ، وكذلك المتعامِلونَ بالمَيْسِرِ؛ لا أثَرَ لرِضَاهُم في ثبوتِ مَفاسدِه، فهم يَرضَوْنَ ابتداءً، ويتنازعونَ عندَ غلَبةِ أحَدِهم، وإن لم يُوجَدِ النِّزاعُ والاعتراضُ ظاهرًا، فهو موجودٌ باطنًا، فتقَعُ العداوةُ؛ فالشريعةُ جاءَتْ بمُعالَجةِ الظواهرِ والبواطنِ وتطهيرِها.

ثمَّ إنَّ المالَ الذي يُؤخَذُ بالمغالَبةِ الذِّهنيَّةِ بينَ طرفَيْنِ - أو البدَنيَّةِ، أو بالحظِّ والجَهَالةِ - يحصُلُ فيه منافَسةٌ وترقُّبٌ للفوزِ، فالنفسُ الخاسرةُ تحزَنُ وتتألَّمُ، وتُبغِضُ وتَكرَهُ، فتحسُدُ وتَحقِدُ، بخلافِ المالِ الذي يُؤخَذُ

<<  <  ج: ص:  >  >>