بلا مغالَبةٍ كالهَدِيَّةِ؛ فالإنسانُ يُعطيها أَحَدًا, ولا يترقَّبُ شيئًا, ولا تتشوَّفُ نفسُهُ إلَّا إلى المودَّةِ؛ ولهذا جاز للإنسانِ أن يُهدِيَ ألفَ دينارٍ، ولا يجوزُ أن يُقامِرَ على دِرْهَمٍ.
ويعلِّلُ العلماءُ التحريمَ: بعَدَمِ وجودِ عَيْنِ عِوَضٍ ومُعامَلةٍ ومستحِقٍّ للمالِ، وهذه جَهَالةٌ، وهذا تعليلٌ صحيحٌ؛ لأنَّ وجودَ هذه الجهالةِ هو سببُ وجودِ المغالَبةِ النفسيَّةِ، وتُوجِدُ البغضاءَ في النفوسِ؛ لأنَّ النفسَ ترى أنَّها أَوْلى مِن غيرِها، بِخلافِه في البيعِ فيتفرَّقُ المتبايِعانِ, وكلٌّ فَرِحٌ بما لدَيْهِ؛ البائِعُ فَرِحٌ بما باع، والمشتري فَرِحٌ بما اشتَرى؛ لأنَّ البيعَ لا جَهَالةَ فيه تُوجِدُ المغالَبةَ، وهناك حقٌّ متبادَلٌ يُطفِئُ نارَ الغَبْنِ والحِقْدِ.
ويدخُلُ في حُكْمِ المَيْسِرِ وفي معناهُ: كلُّ جَهَالةٍ في البيوعِ؛ كالمنابَذةِ والمزابَنةِ والملامَسةِ وبَيْعِ الحَصَاةِ، ولكنَّ الميسِرَ غلَبَ مصطلَحًا على صورةٍ من أنواعِ الجَهَالةِ.
والقِمَار لا تقيَّدُ صورتُهُ بعمَلٍ أو آلةٍ معيَّنةٍ، فلا يَنْزِلُ القِمارُ إلَّا عليها؛ فهو نازِلٌ على القولِ والعملِ، صغيرًا أو جليلًا؛ فعن ابنِ سِيرينَ؛ قال:"كلُّ لَعِبٍ فيه قِمَارٌ مِن شُرْبٍ أو صِيَاحٍ أو قيامٍ، فهو مِنَ الميسِرِ"(١).
فما كان مِن رميِ القِدَاحِ أو الجَوْزِ أو الحَصَى أو المكعَّباتِ أو الألعابِ الإلكترونيَّةِ الحديثةِ أو الورَقيَّةِ، فهي داخِلةٌ في ذلك.
والميسِرُ والقِمَارُ يَتَّفِقُ في صورتِهِ، ولكنَّه يختلِفُ في آلتِهِ مِن زمَنٍ