للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ) (١).

ومَنِ ارتَدَّ بعدَ إسلامٍ، ثمَّ أسلَمَ، فهل تَرجِعُ إليه حسناتُهُ قبل رِدَّتِهِ؟ قولانِ للعلماءِ، والصحيحُ: رجوعُها إليه؛ لأنَّ مَن تصدَّقَ زمَنَ كُفْرِهِ مخلِصًا للهِ، تُكتَبُ له حسناتُهُ تلك إذا أسلَمَ، فكيف بمُسلِمٍ تصدَّقَ، ثمَّ كفَرَ، ثُمَّ أسلَمَ؟ ! فرجوعُ حسنةٍ زمَنَ الإسلامِ أَوْلَى مِن رجوعِها زمَنَ الكُفْرِ.

محوُ السَّيِّئاتِ للحَسَنات:

وقدِ اختلَفَ العلماءُ في مَحْوِ السيئةِ للحسنةِ، مع اتِّفاقِهِم على محوِ الحَسَناتِ للسيِّئاتِ، والصوابُ: أنَّ السيئةَ تؤثِّرُ على الحَسَناتِ، وقد تمحُو تضعيفَها، ومضاعَفةُ الحَسَنةِ حَسَناتٌ؛ فالحَسَنةُ بعَشْرِ أمثالِها إلى سَبْعِ مِئةِ ضِعْفٍ، واللهُ يضاعِفُ لمَنْ يشاءُ، وهذا التضعيفُ معدودٌ في الحَسَنَاتِ، وهذا لا يخالِفُ أنَّ رَحْمةَ اللهِ تَسبِقُ غَضَبَهُ؛ لأنَّ الحَسَنةَ تضاعَفُ، والسيِّئَةَ تَبْقَى واحدةً، فلو محَتِ السيئةُ حسنةً فتَمْحُو تضعيفَها أو بعضَهُ، فلا تأتي على جميعِ أصلِها؛ لأنَّ السيئةَ أصعَفُ مِن الحَسَنةِ، والمُوبِقاتُ والكبائرُ أقوى مِن الصغائرِ، ولكلِّ حسنةٍ تضعيفٌ وبَرَكةٌ، ويَذهَبُ مِن تضعيفِ الحسناتِ وبَرَكَتِها بمقدارِ الذنوبِ؛ وهذا سببُ عدمِ وجودِ بَرَكةِ الحَسَنةِ مِن الفاسِقِ والمنافِقِ في نفسِهِ ومالِهِ ووَلَدِه.

* * *

قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٧٣].

في الآيةِ: الصدقةُ على المحصورِ في سبيلِ اللهِ، الذي تسبَّب


(١) أخرجه البخاري (١٤٣٦) (٢/ ١١٤)، ومسلم (١٢٣) (١/ ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>