للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي منه خُلِقَ، ومنه يُبعَثُ ويُخرَج؛ قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١)[عبس: ٢١]، وقال: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (٢٦)[المرسلات: ٢٥ - ٢٦].

والدفنُ فِطْرةٌ وسُنَّةٌ تَعَلَّمَها الإنسانُ بواسطةِ الحيوانِ، وفيه أنَّ الإنسانَ يتعلَّمُ العِلْمَ ويأخُذُهُ مِن كلِّ أحدٍ صدَقَ فيه، وقد أُخِذَ دفنُ الميِّت مِن غُرَابٍ، وهو حيوانٌ مذمومٌ شرعًا، فهو من الفواسقِ الخمسِ؛ كما في الحديثِ في "الصحيحَيْن" (١).

الحكمةُ مِن دَفْنِ الميِّت:

ودفن الميِّتِ شُرِعَ لعلَّتَيْنِ:

الأُولى: إرجاعٌ للميِّتِ إلى أصلِ خِلْقَتِهِ الأُولى، التي يُخرَجُ ويُبعَثُ منها؛ كما قال تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (٥٥)[طه: ٥٥].

الثانية: سَتْرُ سَوْءَتِهِ عن الناسِ ألا يَتأذَّوْا منها، ولا ينظُروا إليها، ولا يَكرَهَ هو أنْ يكونَ كذلك لو كان حيًّا.

وسَوْءتُهُ هنا سوءتانِ:

الأُولى: عورةُ جِسْمِهِ المحسوسةُ بالبصرِ؛ وهي محرَّمةُ الكشفِ والنظرِ للحيِّ والميِّتِ سواءً، ويُروى في الخبرِ؛ مِن حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ؛ أنَّ النبيَّ قال: (لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ)؛ رواهُ أحمدُ وأهلُ السُّننِ (٢).

الثانية: عورتُهُ المحسوسةُ بالشمِّ لِنَتْنِها.

فشُرِعَ الدفنُ لسَتْرِ ما يَسُوءُ الناسَ مه وما يَسُوءُهُ هو أنْ يكونَ منه ومِن غيرِهِ ذلك.


(١) أخرجه البخاري (٣٣١٤) (٤/ ١٢٩)، ومسلم (١١٩٨) (٢/ ٨٥٧).
(٢) أخرجه أحمد (١٢٤٩) (١/ ١٤٦)، وأبو داود (٣١٤٠) (٣/ ١٩٦)، وابن ماجه (١٤٦٠) (١/ ٤٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>