للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سماعُ قولِ الظالِمِ:

وفي هذه الآيةِ: أنَّه يجبُ على السُّلْطانِ والقاضي أنْ يسمَعَ قولَ الظالمِ والجانِي ولو قامَتِ البيِّناتُ عليه مِن غيرِ إقرارِه؛ لأنَّ مِن مَقاصدِ الحُكْمِ إقامةَ العدلِ في الظالمِ عندَ نَفْسِه؛ حتى لا تُسوِّلَ له نفسُهُ وشيطانُهُ أنه ظُلِمَ وبُغِيَ عليه ولم يُسمَعْ قولُه، أو يَدَّعِيَ أحدٌ مِن أهلِهِ وذويهِ أنَّ له حُجَّةً لم تُسمَعْ، فيَقَعَ ذلك في بعضِ النفوسِ الجاهلة، فإنْ وقَعَ، فهو ظُلْمٌ تسبَّبَ فيه السُّلْطانُ بتقصيرِهِ بعدمِ سماعِ قولِ الظالمِ وإزالةِ شُبْهتِهِ وعنادِهِ عندَ نفسِهِ ولو لم يُقِرَّ بذلك عندَ غَيرِه.

وهذا إذا كان في سماع الظالِم المُعانِد، فإنَّه في حقِّ المظلومِ وصاحِبِ الحقِّ أَوْلى وأَوْجَبُ.

وإذا كانت خصومةٌ بينَ اثنَينِ أو جماعةٍ، وجَبَ على القاضي السماعُ منهما جميعًا في مجلسٍ واحدٍ؛ حتى يستوفيَ الردودَ بينَهما، ولا يجوزُ له أنْ يسمَعَ مِن كلِّ واحدٍ في مجلسٍ؛ حتى لا يقولَ في خَصْمِهِ شيئًا وهو غائبٌ وعندَهُ حُجَّةٌ تَدفَعُهُ، وقد قال النبيُّ : (يَا عَلِيُّ، إِذَا جَلَسَ إِلَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلا تَقْضِ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ)؛ رواهُ أحمدُ وأبو داودَ (١)، وعندَهما عن عبد اللهِ بي الزُّبَيْرِ؛ قال: "قَضَى رَسُولُ اللهِ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ يَقْعُدَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْحَكَمِ" (٢).

ومِن مَقاصِدِ الشرعِ في سماعِ أطرافِ الخصومةِ ولو تبيَّنَ الظالِمُ منهما: إقناعُ الباغِي ببَغْيِه، وقطعُ حُجَّتِهِ عندَ نفسِهِ حتى تَنزِلَ عليه العقوبةُ بتسليمٍ لا بعنادٍ, فتجدَ نفسُهُ مَدْخَلًا لاتِّهامِ الشريعةِ وأهلِها، فيتحوَّلَ مِن


(١) أخرجه أحمد (١/ ١١١)، وأبو داود (٣٥٨٢).
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ٤)، وأبو داود (٣٥٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>