للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأول المقاصدِ الخزيُ؛ يعني: ما تعدَّى عليه في نفوسِ الناسِ مِن العارِ والاستنكارِ لفِعْلِه، وفي هذا دفعٌ وردعٌ لمَن يفعلُ كفِعْلِه، وكبحٌ لمَن يفكِّرُ في مِثْلِ عملِه، ودَوَرانُ خبرِ ما قام بالمحارِبِ مِن عقوبةٍ في الناسِ ولو في عقودٍ وأجيالٍ: ردعٌ لمِن يفعلُ أو يفكِّرُ في فعلِ مِثْلِ فِعْلِه.

وتتضمَّن الآيةُ جوازَ الحديثِ عمَّن أُقِيمَ عليه الحدُّ بفَعْلَتِهِ التي فعَلَ وبالعقوبةِ التي نزَلَتْ عليه؛ وليس هذا مِن الغِيبةِ؛ فهو مِن الخزي الموعود، وفيه ردعٌ للنفوسي المشابِهةِ له، شريطةَ أن يكونَ الحديثُ عن حالِه بالحقِّ والعدل، بلا ظلمٍ ولا بغيٍ ولا عدوانٍ.

[تكفيرُ الذنوبِ بالحدودِ]

وذكَرَ اللهُ بعدَ ذلك عقابَ الآخِرة، فقال: ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾؛ وهذا لمَن أُقِيمَ عليه الحدُّ مِن الكافِرينَ، واختُلِفَ في أمرِ المُسلِم الذي يُصِيبُ ذنبًا، ثم يُعاقَبُ عليه الحدَّ في الدُّنيا: هل عقوبتُهُ تلك كَفَّارةٌ له أو لا؟ على قولَيْن: الأشهَرُ: أنه كفَّارةٌ له؛ وذلك لِمَا في "الصحيحَيْنِ"؛ من حديثِ عُبَادَةَ؛ قال : (مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِه، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْه، فَأَمْرُهُ إلى اللهِ؛ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ) (١).

وجاء نحوُه من حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ؛ أخرَجَه أحمدُ والترمذيُّ وابنُ ماجَه (٢).

وقد جاء خلاف هذا مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (مَا أَدْرِي


(١) أخرجه البخاري (١٨) (١/ ١٢)، ومسلم (١٧٠٩) (٣/ ١٣٣٣).
(٢) أخرجه أحمد (٧٧٥) (١/ ٩٩)، والترمذي (٢٦٢٦) (٥/ ١٦)، وابن ماجه (٢٦٠٤) (٢/ ٨٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>