للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-كالإسلامِ والحريَّةِ- في آيةِ حدِّ القذفِ للمُحصَناتِ - على قولَيْنِ:

القولُ الأولُ: أنَّ الحريَّةَ والإسلامَ مقصودانِ في هذه الآيةِ؛ وبهذا قال جمهورُ العلماءِ، وقد قَيَّدَ اللَّهُ القذفَ بالإيمانِ في قولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النور: ٢٣]، فذِكْرُهُ للإيمانِ للدَّلالةِ على الإسلامِ، وذِكرُهُ للغَفْلةِ للدَّلالةِ على العفافِ، ودَلَّ ذلك على أنَّه أرادَ بالإحصانِ في قولِه: ﴿الْمُحْصَنَاتِ﴾ الحريَّةَ، وقد رَوَى عليُّ بن أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ أنَّه فسَّر المُحصَناتِ في الآيةِ بالحرائرِ (١).

ويُروى في الحديثِ: (مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ، فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ)؛ رواهُ الدارقطنيُّ؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ (٢)، وهو متكلَّمٌ في رفعِه.

القولُ الثاني: أنَّ الحريَّةَ والإسلامَ غيرُ مُرادَيْنِ؛ وبهذا قال مالكٌ.

وعلى هذَيْنِ القولَيْنِ يتفرَّعُ عندَ أصحابِهما القولٌ بحدِّ قاذقِ الأَمَةِ والكافرةِ.

والعبدُ والأَمَةُ يُجلَدانِ في القذفِ نِصْفَ حدِّ الحُرِّ والحُرِّةِ، وعلى هذا الأئمَّةُ الأربعةُ، خلافًا للأوزاعيِّ وأبي ثورٍ وأهلِ الظاهرِ.

قولُه تعالى: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾: فيه زجرٌ للقاذفِ وردعٌ له، حينَما وقَعَ في أعظَمِ ما يختَصُّ بعِرْضِ الإنسانِ وشَرَفِه، ولا يختلِفُ العلماءُ في أنَّ شهادتَهُ مردودةٌ قبلَ توبتِه؛ لأنَّه أسقَطَ عدالتَهُ بقَذْفِه.

شهادةُ القاذفِ بعد توبتِهِ:

ويختلِفُ العلماءُ في قَبُولِ شهادتِهِ بعدَ توبتِه، والجمهورُ على قَبُولِها بعدَ توبتِه، خلافًا لأبي حنيفةَ؛ حيثُ أسقَطَها مطلَقًا؛ لظاهرِ قولِه


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٨/ ٢٥٢٨).
(٢) أخرجه الدارقطني في "سننه" (٣/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>