وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧]، والطائِفتان: قافلةُ أبي سُفيانَ، وفرْقةُ قريشٍ المُناصِرةُ له.
تعيُّنُ الجهادِ على بعضِ الناسِ دون بعضٍ:
فقد يتعيَّنُ الجهادُ على بعضِ الناس، ولا يتعيَّنُ على غيرِهم؛ كقيامِ الحاجه لأهلِ الظهُورِ - كالبعيرِ والفرَسِ - فيَجِبُ عليهم، ولا يجب على الراجِلِ الذي لا يُستفادُ مِن سَيرِهِ على قَدَمِه، وقد يتعيَّنُ على الرمَاةِ وحُذَّاقِ القتالِ عندَ الحاجةِ إليهم واستنفارِهم، ولا يجبُ على غيرِهم.
وأمَّا استشارةُ النبي ﷺ لِمَن معَهُ في بَدرٍ في قتالِ قريشٍ لمَّا جاؤوا مِن مكَّةَ نُصْرةً للقافِلة، ثم قتالهُ، فذلك تطيبًا منه ﷺ لنفوسِ أصحابِه وخاصَّةً الأنصارَ؛ لأنَّهم أهل المدينةِ التي سيَرجِعونَ إليها وتُؤويهِم، فربَّما استثقَلَتْ بعض نفوسِهمُ الحربَ بعدَ أمْنِهم ورَغَدِهم في سابقِ سِنِيهِم، ولأنَّه للمُنافِقينَ فيهم كلمةٌ تُؤثِّرُ قبلَ استبانة أمرِهم وفَضْحِ القرآنِ لهم، فأرادَ النبيُّ أن تَطيب نفوسهُم بالجِهادِ ويَظهَرُوا عندَ أنفُسِهم وقومِهم ومَن وراءَهم أنهم أهلُ اختيارٍ لا إكراه؛ تطييبًا لأنفُسِهم، وقطعًا لِقالَةِ المُنافِقينَ مِن ورائِهم، وقد كانتِ الأنصارُ لَمَّا بايَعُوا النبيَّ ﷺ في العقَبَة، قالوا:"إنا بُرَآءُ مِن ذِمَامِكَ حتى تَصِلَ إلى دِيَارِنا، فإذا وَصلْتَ إلينا فأنتَ في ذِمَّتِنا؛ نَمْنَعُكَ مِمَّا نمنَع مِنهُ أبناءَنا ونسَاءَنا"(١)، فلم يكن في بيعتِهم نُصْرَتُهُ إلا على مَن دهَمَهُ بالمدينة، فأراد أن يَستظهِرَ منهم أمْرَ نصرَتِهِ خارج المدينةِ مِن عدوِّه.
واستِشارتُهُ للأنصارِ أيضًا أدْعَى لصَبرِهم على العاقبةِ ولو كانت ثقيلةً أو شديدةً عليهم؛ لأنَّه اختيارُهم.
وهذا نظيرُ قولِهِ تعالى على لسانِ إبراهيمَ لابنهِ: ﴿إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ