للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأُمَّةٌ، فإذا أخَذَ الحاكمُ واختارَ مِن النَّاسِ مِن وسطِهم كمَن أخَذَ حَجَرًا مِن وسَطِ الهرمِ أو أسفلِه، فيسقُطُ عليه مَن فوقَهُ وتحدُثُ فتنةٌ.

فائِدةُ النُّقَباء، وسَبَبُ حاجةِ الغَرْبِ لصناديقِ التصويت:

نظَّمَ الإسلامُ الناسَ وحَفِظَ تركيبَهم، وأمَرَ بترابُطِهم وتواصُلِهم: بصِلَةِ الرَّحِم والأقرَبِين، وحُسنِ الجِوَار، وإِكرامِ الضيفِ، وإجابةِ دَعْوةِ الوَلِيمة، وشُهودِ صلاةِ الجَماعة، وشَرَع عبادةَ المريض، واتِّباعَ الجنازة، وبَذْلَ المعروفِ ورَدَّه، وجمْعَ الناسِ على الطعام، ومعرفةَ الأنسابِ والعاقلةِ في الدِّيَة، وغيرَ ذلك مِن الشرائعِ الدافعةِ التي يَلزَمُ منها ترابُطُ الناسِ وتعارُفُهم وتشكُّلُهم على صورةٍ يَظهَر معها فيهم عُرَفَاءُ ونُقبَاءُ يَسُودونَ لفضلِهم وسيرتِهم التي تصوَّرَتْ في الأذهانِ لعُقودٍ ليس فيها مخادَعةٌ أو تلبيسٌ ساعةً أو يومًا أو أيامًا؛ ولهذا لم يحتَجِ النبيُّ وخُلفاؤه إلى معرفةِ رؤوس الناسِ وأخذ رأيهم الذي لا يحرُجُ غالبًا عن رأيِ مَن تحتَهم مِن قَومِهم؛ لأنَّ قومَهم أظهَرُوهم وسَوَّدُوهم في عُقودٍ بلا تزييفِ إعلامٍ ولا استبدادِ حاكمٍ باختيارِه، وإنْ لم يَتَّفِق على العُرَفاءِ والنُّقَباءِ جميعُ قومِهم؛ فإنَّه يَتَّفِقُ عليهم الغالبُ والسَّوَادُ، وقدِ اختَلَّ هذا الأمرُ في بعضِ القُرونِ السابقة، وفي عصرِنا اليومَ لدى كثيرٍ مِن المسلمينَ وعامَّةِ الكُفَّار:

أمَّا الكفار -وهُمُ الغَربُ اليومَ-: فتفَكَّكَ لديهم المجتمعُ؛ لأنهم عَمِلُوا بالمبدأ اللِّيبراليِّ بتفكيكِ الروابطِ العِرْقِيَّةِ والدِّينيةِ والقَبَلِيَّةِ والأُسْرِيَّة، حتى بَلَغَ ببعضِ المجتمعاتِ تفكيكُ آخِرِ رابطٍ، وهو رابطُ الآباءِ والأبناءِ بعصِهم ببعضٍ؛ فلا يئواصَلُون أعوامًا، ولَزِمَ مِن ذلك ألَّا يوجَدَ هَرَمٌ للناس ولا رَأْس، وألَّا يشكَّلَ لديهم نُقَباءُ وعُرَفاءُ عبرَ عقودٍ، فلا يتعارَفُ الأقرَبُون فضلًا عن الأبعَدِين، فاضطرُّوا إلى معالَجةِ ما أفسَدُوه في قُرونٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>