للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما سبَقَ في سورةِ البقرةِ والنِّساءِ وهنا في المائدة، فبيَّنَ فيها شيئًا مِن أحكامِها، وذكَرَها إشارةً في سورةِ يس في قولِهِ تعالى: {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس: ٥٠]؛ وذلك عندَ قيامِ الساعةِ تُباغِتُ الناسَ؛ فلا يَتمكَّنونَ ممَّا يَتمكَّنُ مه المُحْتَضَرُ عادةً مِن الوصيَّةِ بما يُرِيدُ لمَن خَلْفَهُ؛ لمُسارَعةِ الأمرِ وانقضاءِ الأجَلِ.

نزَلَتِ الآيةُ في الوصيَّةِ لِمَنْ حَضَرَهُ الموتُ وهو في أرضٍ غيرِ أرضِه، وبينَ سكَّانٍ ليسوا مِن أهلِه، ومعه مالُهُ ونفقتُةُ ومَرْكُبُه، ومِن خَلْفِهِ مالٌ وعيالٌ، فيَحتاجُ إلى أنْ يُوصِيَ - أنْ يدفَعَ ذلك إلى عَدْلَيْنِ مِن المُسلِمينَ أو مِن غيرِهم.

وهذا يدُلُّ على عِظَمِ الوصيَّةِ حتى على الغريب، فلم يُعذَرْ في تركِ المالِ والوَرَثة، ويُهمِلَ الحقوقَ التي عليه وله؛ فإنَّ لصاحِبِ الحقَّ وللوارثِ حقًّا.

وقيل بتسخِ هذه الآيةِ؛ رُوِيَ هذا عن ابنِ عبَّاسٍ (١)، وعن النخَعيَّ (٢)، وابنِ زيدٍ (٣)، فجعَلُوها قضيَّةَ عَيْنٍ، ثم نُسِخَتْ، والأكثرُ على إحكامِها، وهو الأظهَرُ، واللهُ أعلَمُ.

وقولُه تعالى: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}، به تقديمُ إشهادِ الشاهدَيْنِ مِن المُسلِمينَ على غيرِهم عندَ وجودِهم؛ قال ابنُ عبَّاسٍ: "أمَرَهُ أنْ يُشهِدَ على وصيَّيِهِ عَدْلَيْنِ مِن المُسلِمينَ" (٤).

وقولُه، {مِنْكُمْ} "حُمِلَ على معنيَينِ:

أولُهما: أنَّ المرادَ: مِن القبيلةِ وقرابتِكم المُسلِمينَ؛ وهو قولُ


(١) "تفسير الطبري" (٩/ ١٠٧)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٢٣٥).
(٢) "تفسير الطبري" (٩/ ١٠٧).
(٣) "تفسير الطبري" (٩/ ٦٧).
(٤) "تفسير الطبري" (٩/ ٧٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>