للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة الشعراء]

* قال تعالى: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الشعراء: ١٨١ - ١٨٣].

فيه: تعظيمُ بَخْسِ الحقوقِ وظُلْمِ الخَلْق؛ حيثُ كان قومُ شُعَيْبٍ إذا اكتالُوا لأنفسِهم زادُوا، وإذا كالُوا للناسِ، بَخَسُوهم، وقولُه: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ}؛ يعني: المُنقِصِينَ للكَيلِ.

وعقابُ الظُّلْمِ في حقوقِ الناسِ أعجَلُ مِن الظُّلْمِ في حقِّ اللَّهِ؛ لأنَّ اللَّهَ ينتصِرُ لعِبادِه المظلومِينَ في حقوقِهم أسرَعَ مِن انتصارِه لحقِّه سبحانَه؛ لكمالِ غِناهُ وعلوِّ شأنِه، إذْ لا يَضُرُّه مخلوقٌ، ويُمهِلُ الخَلقَ في حقِّه غالبًا، ويعجِّلُ في حقوقِ العِباد؛ لأنَّ هذا مُقتضى ربوبيَّتِه لهم، وقد كان السلفُ يُحذِّرونَ مِن البقاءِ بأرضِ يَظهرُ فيها ظُلمُ الناسِ ويَشِيعُ ويُشرَّعُ، وقد صحَّ عن ابنِ المسيَّبِ قولُه: "إذا كنتَ بأرضٍ يُوفُونَ المكيالَ والميزانَ، فلا تَعجَلْ بالخروجِ منها، وإذا كنتَ بأرضٍ لا يُوفُونَ المكيالَ والميزانَ، فعَجِّلْ بالخروجِ منها" (١).

وهذه الآيةُ في قومِ شُعَيْبٍ وما وقَعوا فيه مِن ظُلْمِ الأموالِ، وقد تقدَّم الكلامُ على ما وقَعُوا فيه مِن أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ عندَ


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ٢٨٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>