للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهَا}؛ وإلَّا فالأصلُ أنَّ اللهَ عذَرَ المستضعَفِينَ؛ كما في قولِهِ بعدُ: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}.

وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُفرِّقُ بينَ المسْتضَعَفِ الذي لم يُهاجِرْ والقاعدِ القادرِ، وكان يدعو لهم ويدعو عَلَى عدوِّهم؛ كما في "الصحيحينِ"، عن أبي هريرةَ؛ قال: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي العِشَاءَ، إِذْ قَالَ: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ: (اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ الوَليدَ بْنَ الوَلِيد، اللَّهُمَّ نَجِّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ) (١).

إقامةُ المسلِمِ القادِر وسْط المحارِبينَ:

وكلُّ مَن أسلَمَ بِمَكَّةَ قبلَ الفتحِ ولم يُهاجرْ مِن وَسْطِ المُحارِبينَ وهو قادرٌ، لفد أخَذَ حُكمَ الكافرِ فيها، وسَرِيرَتُهُ إلى الله، واستثنَى اللهُ المستضعَفَ الذي لا يمكَّنُ مِنَ الخروجِ؛ ولذا قال ابنُ عبَّاسٍ: "كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ؛ أَنَا مِنَ الوِلْدَان، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ" (٢).

عَلَى مَنْ تَجِبُ الهِجْرة:

وقد وصَفَ اللهُ ضَعْفَهُمْ في قولِهِ: {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}، والمُرادُ بالحِيلَةِ: عَجْرُ الإنسانِ في نفسِه؛ بعَمًى، أو عرَجٍ وعدَمِ دابَّةٍ، أو خَوْفِه؛ فلا يجِدُ مَخرَجًا مِنْ كُفَّارِ قريشٍ، ولا مَلاذًا عنهم، وقولُه {سَبِيلًا}؛ يَعني: طريقًا معروفًا وآمِنًا إلى المدينة، ومَن وجَدَ ثلاثةَ أشياءَ، وجبَتْ عليه الهجرةُ، وهي:

الأوَّلُ: قُدْرةُ البدَنِ، والسلامةُ مِنَ المانعِ؛ كالعَمى.


(١) أخرجه البخاري (٤٥٩٨) (٦/ ٤٨)، ومسلم (٦٧٥) (١/ ٤٦٧).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٥٧) (٢/ ٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>