مشتركِ المَعَاني، وفي الحديث قال ﷺ:(البَيِّعَانِ بِالخِيارِ)(١)، وغلَبَ استعمالُ الشِّراءِ للقابِضِ للسلعةِ، والبيعِ للدافِعِ لها؛ وإنما جاز حَملُ اللفظِ على المعنيَينِ؛ لأنَّ كل واحدٍ مِن المتبايِعينِ قابِضٌ ودافعٌ؛ فالمُشترِي دافِعٌ للمالِ قابِضٌ للسِّلعة، والبائع دافِعٌ للسِّلعةِ قابِض للمالِ؛ فكلُّ واحدٍ منهما توافَرَ فيه القبضُ والدفعُ معًا.
وذكَرَ القتالَ ولم يطلِقهُ، وإنما قَيَّدَهُ في سبيلِ اللهِ؛ لأنَّ الصدقَ والإخلاصَ هو الذي يكونُ معه بيعُ الدنيا وشراءُ الآخِرة، ومعه يكون الثبَاتُ ويَنتفي الخوفُ، ويُؤمَرُ صاحِبُهُ بالحذرِ لإقدامِهِ وصدقه، فقد يُقدِمُ يُرِيدُ الموتَ العاجِلَ وَيغِيب عنه تحقيقُ غايةِ الجهاد، وهي إقامةُ الحقِّ والعدلِ.
القتالُ واحتمالُ النصر:
ويدُلُّ الأمرُ السابقُ في قولِه تعالى: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: ٧١]، وقولُه تعالى: ﴿وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ﴾: أن الأصلَ في الجهادِ: أنَّه لا يكونُ فاضلًا إلَّا مع احتمالِ الأمرين، وأن القتلَ في سبيلِ اللهِ لا يُطلَبُ لِذَاتِهِ إلَّا مع احتمالِ النصر، والنصرُ قد يتحققُ حِسًّا بالتمكين، وقد يتحقَّقُ معنًى بالخوفِ والرعب والرهبةِ.
ولمَّا أمَرَ الله بالحَذَرِ، دَلَّ على وجوبِ توافرِ احتمالِ الغَلَبَةِ والنصرِ في جِهادِ الطَّلَبِ، ولو قَوِيَ احتمالُ القتلِ وغَلبَ؛ لأنَّ قَصْدَ القتلِ وطلَبَهُ بذَاتهِ لا يحتاجُ إلى حَذَرٍ، فالمسلِمُ الذي يَرْمي بنفسِهِ بينَ يدَيِ العدوِّ يتحقَّقُ له القتلُ، ولكن قد لا تتحقَّق له الغَلَبَةُ؛ لهذا لا يجوزُ القتالُ إلَّا مع توافُرِ احتمالِ النصرِ، يحكمُ فِيه مَن جَمَعَ عِلمًا بالشرعِ والحالِ واتَّصَفَ بالشجاعةِ، ونقصُ واحدٍ منها يضعفُ النظرَ، فتَخْتلُّ النتيجةُ.