وقولُه تعالى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾؛ ليُصلِحا ما فَسَدَ، ولِيَأْطِرَا الزوجَيْن على الحقِّ بسيفِ الحياءِ والمروءةِ؛ فيَستَجلِيَا منهما ما جُبِلَتْ عليه النفوسُ مِن بَذْلِ الحقوقِ، وكراهةِ الظُّلْمِ، وفضلِ الإحسانِ والمروءةِ.
الحكَمانِ منَ أهلِ الزوجَيْنِ:
والسُّنَّةُ: أنْ يكونَ الحَكَمانِ مِن أهلِ الزوجَيْنِ؛ لقولِه: ﴿حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾؛ لأنَّهما أعلَمُ الناسِ بالحالِ، وأكثَرُ الناسِ رغبةً في صلاحِ الزوجَيْنِ واستقامةِ أمرِهما، بخلافِ الأَبْعَدِينَ؛ فلا يَعلَمونَ ما يُصلِحُ الزوجَيْن، وما هما عليه مِن مصلحةٍ ومَضَرَّةٍ.
وفي تحكيمِ الأَقْرَبِينَ مِن أهلِ الزوجَيْنِ دفعٌ لاطِّلاعِ الأَبْعَدِينَ على عيوبِ الزوجَيْنِ وما بينَهما مِن خلافٍ وخُصُومَةٍ تَتشوَّفُ الشريعةُ إلى كَتْمِه، لا إذاعتِه.
وقد حَكَى بعضُ العلماءِ الإجماعَ على وجوبِ كونِ الحَكَمَيْنِ مِن أهلِ الزوجَيْنِ؛ كابنِ عبِدِ البَرِّ وابنِ رُشْدٍ.
وفي حكايةِ الإجماعِ نظرٌ؛ فالآيهُ أَرْشدَتْ للأصلَحِ والأقوَمِ، وقرينةُ ذلك: أنَّ بعثَ الحَكَمَيْنِ أصلًا ليس بواجبٍ على الأظهَر، وقد قال جماعةٌ مِن فقهاءِ الشافعيَّة: إنَّ كونَ الحَكَمَيْنِ مِن أهلِهما مُستحَبٌّ، ولو بعَثْنا مِن غيرِهما للحاجةِ ولرجاحةِ ذلك في حالةٍ بعينِها، فهو جائزٌ؛ فربَّما كان أهلُ الزوجَيْنِ أو أهلُ أحدِهما سببًا في خصومةِ الزوجَيْنِ وشِقاقِهما، فبعثُ الحَكَمينِ منهما بكلِّ حالٍ محلُّ تُهَمَةٍ وضررٍ، ولكنَّ اللهَ أرشَدَ إلى الغالبِ ودَلَّ عليه؛ لِتَصْلُحَ الحالُ وتستقيمَ.