المَهرِ وحكمِهِ في أولِ سورةِ النساءِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [٤]، وكذلك في البقرةِ عندَ قولِهِ: ﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [٢٣٦].
أثرُ مخالَطَةِ الكفارِ:
ولمَّا أحَل اللهُ نِكاحَ نساءِ أهلِ الكتاب وأحَل طعامَهم، وكان مُقتضى ذلك المُخالَطةَ، ومقتضى المخالَطةِ التأثُّرَ بهم، وقد يصلُ إلى حَدِّ الإعجاب بحالِهم واستحسانِ دينِهم؛ قال: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾؛ لأن النفوسَ إنِ استحسَنت الشيءَ، خلَطَت سوءَه بحَسَنِه، وعَمِيَت عن سيئتِهِ ولم تَرَها كما هي، فمَن أحَبَّ، عَمِيَ عن مساوئِ محبوبِه، كما أن مَن كَرِهَ عَمِيَ عن محاسنِ مكروهِه، ولما كان إطعام أهلِ الكتابِ للمؤمِنينَ هديةً أو إعانةَ يكسِرُ نفسَ المنتفِعِ؛ لأن المُنفِقَ يدُهُ العليا، وقد يَخلِط بينَ علو يدِهِ وبينَ قصورِ دِينِه، فيُعجب بدينهِ فيَتبِعُهُ أو يضعُفُ إيمانُه - شدَّدَ اللهُ على أنَّ اتباعَهم كفر بالله، ومُحبِطٌ للعملِ.
وفي هذا: إشارة إلى أنه ينبغي عندَ الكلامِ على مخالَطةِ أهلِ الكتابِ وبيانِ ما يجوز منها: أن يؤكَّدَ على ما يَتبَع ذلك مِن أثرٍ، وهو ميلُ القلبِ والإعجابُ الذي يورِثُ الحبَّ ويَتبَعُه الكفر، والعالِمُ لا يُحرم ما أحَل اللهُ، ولكنه يَحفَظُ دينَ اللهِ بالتأكيدِ عليه والاحترازِ مما يَنقصه أو يَنقُضُه؛ ولذا قال تعالى بعدَ ذلك: ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾؛ أي: لا يُقدم ربحَ الدنيا ولذتَها مِن مَنكَح ومطعم على خسرانِ الآخِرةِ وعذابِها.
وكذلك: فإن مِن وُجوهِ الختمِ بقولهِ: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾: ألا يَتَوَهمَ متوهم إسلامَ أهلِ الكتابِ وإيمانَهم؛ لأن اللهَ أباحَ للمؤمِنِينَ ذلك منهم ولهم؛ ليتضحَ حكمُ الآخرةِ عن حُكْمِ اللهِ لهم في