للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حُكْمُ الجِعَالَةِ:

وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على مشروعيَّة الجِعَالةِ، والجِعَالةُ: هي ما يُكافَأُ له الإنسانُ على أمرٍ يفعلُهُ، وهي جائزةٌ عندَ عامَّةِ السلفِ وجماهيرِ الفقهاءِ خلافًا للحنفيَّةِ، وقد أقَرَّ النبيُّ الصحابةَ على أخْذِهم الجِعَالةَ على ما فعَلُوهُ؛ كما في "الصحيحَينِ"؛ مِن حديثِ أبي سعيدٍ؛ أنَّ رَهْطًا مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ انْطَلَقُوا فِي سَفْرَةِ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَب، فَاسْتَضَافُوهُم فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ قَدْ نَزَلُوا بِكُمْ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ، إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، فَسَعَينَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟ لَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَرَاقٍ، وَلَكِن وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقِ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَم، فَانْطَلَقَ فَجَعَلَ يَتْفُلُ وَيَقْرَأُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢]، حَتَّى لَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِن عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي مَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَال: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صالَحُوهُمْ عَلَيَهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ ، فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: (وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ! أَصَبْتُمُ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهُمٍ) (١).

ولم يُجوِّزْها الحنفيَّة بحُجَّةِ الجَهَالةِ والغَرَرِ فيها، وذلك أنَّ النتيجةَ مظنونةٌ، ولا يُشْترَطُ تعيينُ العاملِ فيها، وهذا لا يُقالُ به مع ثبوتِ الدليل، والشريعةُ تُراعي الحاجاتِ في صُوَرٍ فتُجِيزُها مع اشتراكِها ببعضِ


(١) أخرجه البخاري (٥٧٤٩)، ومسلم (٢١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>