للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشروعيَّةُ الوَكَالةِ والنِّيَابةِ:

وفي هذه الآية: دليلٌ على جواز الوَكالةِ، وهو أن ينوبَ أحدٌ عن أحدٍ فيما يُريدُهُ منه، ومِن معنى الوكالةِ: قولُهُ تعالى: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: ٦٠]؛ فإنَّها تتضمَّن نيابةً ووكالةً، وقريبٌ منها قولُهُ: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾ [يوسف: ٥٥]، وقولُهُ: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا﴾ [يوسف: ٩٣]، وقوله تعالى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ﴾ [النساء: ٣٥].

والأصلُ في الوكالة: الجوازُ بلا خلافٍ؛ كما حكاهُ ابنُ عبد البَرِّ (١)، وابنُ قُدَامةَ (٢)؛ وذلك لظاهِرِ القرآنِ والسُّنَّةِ، وقد أنابَ النبيُّ عن نفسِهِ ووكَّل غيرَهُ عنها، في بيعٍ وشراءٍ ونكاحٍ وقضاءِ دَيْنٍ؛ ومِن ذلك ما رواهُ الشيخانِ؛ من حديثٍ أبي هريرة ؛ قال: كَانِ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ سِنٌّ من الإِبِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: (أَعْطُوهُ)، فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إلَّا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: (أَعْطُوهُ)، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَي اللَّهُ بِكَ، قَالَ النَّبِيُّ : (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) (٣).

وقد وكَّل النبيُّ عُرْوةَ البارِقيَّ ليشترِيَ شاةً بدِينارٍ، فاشتَرَى شاتَيْنِ بدينارٍ، وباع واحدةً بدينارٍ، وجاء إلى النبيِّ بدينارٍ وشاةٍ (٤).

وكان أبو رافع وكيلًا بين النبيِّ وميمونةَ حينَ تزوَّجَها (٥)، ووكَّل عمرَو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ في نِكاح أمِّ حَبِيبةَ رَمْلةَ بنتِ أبي سُفْيانَ (٦).

وقد وكَّل النبيُّ في إثباتِ الحدودِ واستيفائِها؛ كما أرسَلَ


(١) "التمهيد" (٢/ ١٠٨).
(٢) "المغني" (٧/ ١٩٧).
(٣) أخرجه البخاري (٢٣٠٥)، ومسلم (١٦٠١).
(٤) أخرجه البخاري (٣٦٤٢).
(٥) أخرجه أحمد (٦/ ٣٩٢)، والترمذي (٨٤١)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٥٣٨١).
(٦) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٤/ ٢٢)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>