للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يجوزُ أنْ يَدفَعَ الغنيُّ ولا الإمامُ الزكاةَ ليَكسِبَ بها مَدْحًا لنَفْسِه، ولا أنْ يَدفَعَ بها ذَمًّا عنها، فيُعطِيَ مَن يَحمَدُهُ وَيمنَعَ مَن لا يَذْكُرُهُ، ويُعطِيَ مَن يذُمَّهُ ليُسكِتَهُ، ويُعطِيَ مَن يسكُتُ ليَنطِقَ بمَدْحِه، فهذا يحوِّلُ الزكاةَ مِن حقٍّ لِمَنْ أَعْطاه، إلى حقٍّ له يَشتري به هَوَاه.

مَصْرِفُ الفُقَراءِ والمساكِينِ:

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾؛ قدَّمَ الله في هذه الآيةِ الفقيرَ والمسكينَ؛ لأنَّهما أَولى بالعَطَاء، وأشَدُّ في الحاجة، وأنَّ الفقرَ والمَسْكَنةَ أوسَعُ وقوعًا في الناسِ مِن جميعِ المصارفِ التاليةِ؛ ولهذا قال طاوسٌ في قولِهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾: هو الرَّأسُ الأكبرُ؛ رواة عنه ليثٌ؛ أخرَجَه ابنُ أبي حاتمٍ (١).

وعامَّة السَّلفِ: أنَّ المُسلِمينَ هم المقصودونَ بهذه الأصنافِ إلَّا سَهْمَ المؤلَّفةِ قلوبُهم، ورَوَى عمرُ بن نافعٍ، عن عِكْرِمهَ؛ أنَّ المرادَ بالفُقراءِ: مِن المُسلِمينَ، والمساكينِ: مِن أهلِ الكتابِ (٢)، ورَوَى ابنُ أبي حاتيم في "تفسيرِه"؛ أنَّ الفُقراءَ زَمْنَى أهلِ الكتابِ؛ عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ (٣)، وهو مُنكَرٌ، يَرويهِ عن عمرَ بنِ الخطابِ: عمرُ بن نافعٍ، عن أبي بكرٍ العَبْسيّ، عن عُمَرَ؛ ولا يَصِحُّ.

الفَرْقُ بينَ الفقيرِ والمِسْكِينِ:

الفقيرُ شديدُ الحاجة، ومُنكَسِرٌ فَقَارُهُ لعَجْزِهِ وذُلِّه، والفقيرُ أحوَجُ مِن المسكين، في ظاهرِ اللُّغَةِ وظاهرِ الآيةِ وظواهرِ الأدلَّة، وقد كان النبيُّ يَستعيذُ مِن الفقر، ولم يثبُتْ أنه استعاذَ مِن المَسْكَنة، ورُوِيَ أنه سأَلها؛


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٢٢).
(٢) "تفسير الطبري" (١١/ ٥١٤).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم (٦/ ١٨١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>